عبد الاله بن سعود السعدون
من التداعيات السلبية المباشرة للانقلاب الفاشل ليلة الخامس عشر من يوليو الماضي، والذي نفذته قوى متآمرة تغلغلت للمؤسسة العسكرية التركية وقوى الأمن الوطني وشكلت خلايا متآمرة على السلطة الوطنية المنتخبة بدعم وتحريض جهات استخباراتية أجنبية تحرك عصابة فتح الله كولن المتآمرة، وقد استطاعت وقفة الشعب اليقظ إلى إسقاط الانقلاب الذي بدأ ليلاً وأفشله الشعب صباحاً وقدم دمه غالياً لإيقاف دبابة الانقلاب التآمرية. وخلف هذا التمرد غير العقلاني مؤرات على التأثير القوي على اقتصاديات الدولة التركية، فقد تزامن تنفيذه مع سحب أكثر من خمسة مليارات من الدولارات من البنوك التجارية في أنقرة وإسطنبول، مقابل ذلك تحريك سعر الفائدة في السوق المالية الأمريكية مما شجع الطلب على الدولار في سوق العملات الأجنبية، وبذلك ارتفع سعره على العملات الوطنية ومنها الليرة التركية التي جاء بسبب التأثير المفاجئ للانقلاب الفاشل مما أدى سلباً على كافة قطاعات الاقتصاد التركي.
إلا أن يقظة الشعب التركي وإخلاصه لوطنه وقيادته السياسية الذي لبى نداء زعيمه أردوغان بتحويل كافة ثرواتهم النقدية من العملات الصعبة والذهب إلى عملتهم الوطنية الليرة دعماً لسعر صرفها في سوق العملات الأجنبية أمام الدولار (بالذات)، وكانت نتائج هذا العمل الوطني مذهلاً لكل المراقبين السياسيين والاقتصاديين، فقد استطاعت إيداعات واستثمارات المواطنين والشركات التركية بالليرة التركية وليوم واحد والتي بلغت لأكثر من عشرة مليار دولار أن توقف انخفاض سعر الليرة بل حققت مكسباً على الدولار بنسبة 04%، وعلى أثر ذلك أعلن رئيس الوزراء ابن علي يلدرم بعد ترؤسه لمجلس التنسيق الاقتصادي عن إجراءات وتعليمات نقدية موجهة من قبل البنك المركزي التركي لكافة البنوك والمصارف ومراكز تحويل العملة المحلية في داخل تركيا بالتقيد بحدود معينة في التحويل الخارجي وضبط حركة السوق المالية، كما أكد على المواطنين بالتعامل بالليرة االتركية في جميع معاملاتهم المصرفية والاستهلاكية، وأعلنت وزارة السياحة بأن كل الجهات التابعة لقطاع السياحة من فنادق ومنتجعات ترفيهية ومتاحف ومطاعم وكل وسائل النقل داخل تركيا بالتعامل بالعملة المحلية بدل العملات الأجنبية، وبهذه الإجراءات النقدية والحكومية مع العامل الرئيسي يقظة ووطنية الشعب التركي وثقته المطلقة بقيادته الوطنية المخلصة تخطت الدولة التركية مخاطر ذبذبة سعر الليرة التركية أمام العملات الأجنبية ومحركها الأول الدولار الأمريكي.
إن عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم خطى باقتصاديات تركيا خطوات بل قفزات سريعة وواثقة وحولها من دولة تبحث عن القروض الدولية إلى مرحلة متقدمة في مجموعة العشرين في فترة قصيرة جداً بعمر الدول، فمنذ عام 2003 حتى يومنا هذا، فقد حقق الزعيم رجب طيب أردوغان الرئيس المنتخب من قبل الشعب للمرة الأولى خطوات واسعة في تطوير الاقتصاد. فمنذ أن تولى حزب العدالة والتنمية السلطة وأصبح أردوغان رئيساً لوزارته الأولى في عام 2003م والآن ارتفعت نسبة النمو الاقتصادي بمقدار 5% في كل عام، ووصل الدخل القومي هذا العام إلى 980 مليار دولار بعد أن كان 325 مليار دولار سنة 2002م، ونما الاقتصاد التركي ليكون الاقتصاد السابع عشر دولياً والثالث أوربياً، وخلال مسيرة 11 عاماً ألغى الأصفار في الليرة التركية ودخلت سوق صرف العملات بقوة وثبات حتى بلغ سعر صرفها عام 2004م واحداً ونصف ليرة مقابل الدولار، ووصلت منخفضه لأربعة ليرات مقابل الدولار الأمريكي، واستطاع مجلس التنسيق الاقتصادي بقراره الأخير من توجيه البنك المركزي والبنوك التجارية لاتباع سياسة التفاضل للعملة المحلية في كل التعاملات التجارية والمصرفية واعتمادها أساساً في نظام التحويل الخارجي مقابل العملات الأجنبية.
ولمراجعة بسيطة نرى المتغيرات السريعة التي توصل لها الاقتصاد التركي خلال العقد الماضي من حكم حزب العدالة والتنمية، وقد نشطت حركة الصادرات الزراعية والصناعية نتيجة الازدهار الاقتصادي حتى لم تبق أي دولة في العالم لم تصدر لها تركيا بضائعها، فقد تضاعف حجم الصادرات في الـ11 عاماً الماضية 3.2 مرة ليصل إلى 152 مليار دولار.. كما تضاعف المدخول السياحي مرة ونصف خلال 11 عاماً ليصل إلى 32.3 مليار دولار، كل هذه الطفرات الاقتصادية المميزة بتطبيق استراتيجية حديثة تعتمد (على أن حصان الاقتصاد دائماً في مقدمة عربة السياسة) بتلاحم الجهد الشعبي مع الثقة المطلقة بالحكومة المنتخبة يوصلان اقتصاديات تركيا إلى مرحلة الازدهار المستقر وخلق المناخ الدافئ للاستثمارات الأجنبية، وأخيراً تتغلب الليرة التركية على القوى المعادية لنجاحات حكومة عهد أردوغان ذات الاتجاه الإسلامي الوسطي وحرق كل العصي المعرقلة لمسيرة هذا الشعب الأصيل بوطنيته ودفاعه عن مكتسباته الاقتصادية وحماية عملته الوطنية المستهدفة لإغراقها في فوضى نقدية انحدارية مستمرة وتحقق ثباتاً في سوق العملات الأجنبية متحديةً كل محاولات إرجاعها إلى عهد الأصفار المتعددة.
الشعب التركي الشقيق أصبح مثالاً عالياً يستحق التقدير لوطنيته وتمسكه بحقه بالحرية والسلام وتضحيته بالمال والنفس من أجل الوطن، رافعاً رايته الوطنية الموحدة لكل نسيج المجتمع التركي المسلم.