د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
في العشرين من شهر صفر الماضي اعتلت الأخبار الحافزة فضاءات إدارة التربية والتعليم بالمنطقة الشرقية حين وُسمتْ إحدى ثانويات البنات هناك باسم الراحلة «سناء بنت عبد الرحمن الجعفري», مساعد المدير العام للشئون التعليمية, وتبدّت الحكاية في صعود تربوي ينبئ عن مساحات واسعة من حقول الوعي بدور النماذج الذهنية المتفردة, ولا غرو فمدير التعليم هناك عرفناه ممن يبني المنصات التربوية العالية ثم «ينحتُ لها من الجبال بيوتاً», وحينما قدح النجاح على حدود نوافذ تلك المدرسة حيث كانت تحمل هوية أخرى, ثم ملكت ذلك الزهو المجدوَل أحرفاً متراصة ولامعة، حينها أشرقت بوابتها باسم الراحلة -رحمها الله, فكانت تلك اللوحة تتنفس من ذكرى عطرة في نسق فريد مزاجه نكهة لافتة من عناصر المشهد التربوي, وفي داخل المشهد تبدو سناء شغوفة بمشاريعها حتى الثمالة, وتربعت داخل المشهد أيضاً «كاريزما» الشخصية الحرة ذات الطاقة المتوقدة التي لا تقبل الصرف إلا من خلال «إكسير» الإخلاص ذي الخلطة الخاصة, ولقد شهدتُ معها -رحمها الله- عندما كانت في سدة الإشراف التربوي القدرة المذهلة على قراءة المنتج التربوي المعد للتنفيذ في حالاته المتباينة, ومن ثم التقاط ما يدعم الاستنتاج الذي يمكث في الأرض, واصطفاء ما يخدم صناعة التعليم الحضاري, ولها -رحمها الله- فلسفة استثنائية في الحكم على البرامج والاحتكام حولها؛ فدائماً يأتي تعليقها مكتوباً (هذا ينصرف وذاك لا ينصرف)، وكم كنتُ حفية بهذه الفلسفة التربوية الجديدة, وأعتقد لو تعهدّنا تلك الفلسفة بالسقيا لأوتينا خيراً كثيراً في ترشيد الصادرات التربوية التي ملأت السهل والجبل, وفي مسترادها -رحمها الله- في المنطقة الشرقية بنت حزمة من منصات الافتخار بفرق الإنجاز معها, ومن صعد لتلك المنصات حتماً سيكون من الأبطال الفاتحين, فكانت لها في الإشراف التربوي باقات بيضاء مزهرة حازتها باقتدار, وكسبت -رحمها الله- ثناءاتها باستحقاق متوالٍ, وفي كل مراقيها لم تكن مقلّدة حيث ترى ذلك مضيعة للعقل والوقت.
ووقفة أخرى عندما تسلمت سناء -رحمها الله- قيادة تعليم البنات غمرنا سرور مضاعف حيث حيازة منطلق كل البدايات ومنتهاها, وصممت -رحمها الله- في موقعها الجديد إطار علاقتها بالعمل التربوي، وقوامها توظيف سائر مكونات المشهد التربوي لتستعيد جذوة المدارس, وأحدثت -رحمها الله- حركة قوية لتطوير العمل الإداري والتعليمي أيضاً داخل المدارس, وكانت من أدواتها المغامرة ثم الانطلاق المتفوق, ودائماً ما كانت تردد -رحمها الله- (الصراع من أجل تحقيق تعليم نوعي الله يحييّه). وأحسبُ أن العاملين في التعليم هناك يعلمون يقيناً أن عبقرية سناء الجعفري في القيادة كانت تستجمع رؤى أكثر عمقاً حول استثمار الطاقات البشرية من دوائر الاختلاف في القدرة ولكفاءة عندما جعلت كل المرجعيات التعليمية في محيطها تتنافس على منصات عديدة، ونتاج ذلك الحفاظ على المتميزين وبروز الآخرين كونهم ذوي معرفة كافية, وامتلكت -رحمها الله- قدرة فائقة على تشكيل المجموعات المتعاونة لتطوير خطط العمل ومساراته, ومن ثم استخلاص معايير الحكم من خلال عمليات التطوير نفسها؛ وهذا منهج فريد تحصد منه عمليات تطوير تراكمية مستقبلاً, {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (سورة العنكبوت 43).
رحم الله سناء الجعفري وجعل ما أصابها من وصب المرض رفعة لها في الآخرة.
وشكراً لتعليم المنطقة الشرقية صاحب سُنَّة الوفاء الجديدة..