د.فهد بن إبراهيم الجمعة
انتشر في الآونة الأخيرة في محيط مجتمعنا على وجه الخصوص، وفي جميع المجتمعات على وجه العموم، برنامج يسمى «سناب تشات»، وقد أساء استعماله الكثير من الناس؛ فأصبحوا يعرضون من خلاله يوميات حياتهم، كأكلهم وشربهم وكلامهم وزياراتهم وطبخهم وضحكهم ومزحهم، وذلك ليس إلا لأجل الشهرة، وكسب عدد كبير من المتابعين لهم.
والأدهى من ذلك كله أنهم يعرضون ويصورون أدق تفاصيل حياتهم في غرف نومهم وسياراتهم ومع زملائهم وأصدقائهم وأقاربهم، ومواعيد سفرهم، وإلى أين سيسافرون، وأين يسكنون، وماذا يأكلون ويشربون..؟!
وفي الغالب تكون هذه المقاطع روتينية، يتم تقديمها وعرضها للمتابعين «السذج» في قالب فكاهي واستظراف؛ فهي عبارة عن أمور دقيقة جدًّا لأحداث مترابطة، تجعل المتابع «الأحمق» يدمن هذه اليوميات والحكايات لدرجة التعلق الذهني المستمر بها!!
وللأسف، إن الذين يتابعون تفاصيل حياتهم، ويضيّعون أوقاتهم فيما لا ينفعهم، هم بعض أولياء الأمور من الآباء والأمهات الذين تجاوزوا الثلاثين والأربعين بل الخمسين من أعمارهم! فضلاً عن بعض الشباب والشابات الذين لا يعرفون قيمة أوقاتهم!
فأولياء الأمور أنفسهم أكلوا الطعم من حيث لا يعلمون، ولم يدركوا حجم الخطر من حولهم!! فبمجرد سماحهم لمحارمهم بمتابعة هؤلاء الشباب - على اتفاق أن ما يقدمونه في الغالب مباح - فقد نسوا جانب (التعلق) وانشغال أذهان محارمهم الدائم بهم وبحكاياتهم!! سمحوا بقصد أو دون قصد منهم بأن يقتحم هؤلاء الشباب عقول زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم بل أمهاتهم دون انتباه منهم!! هؤلاء الشباب دخلوا عبر الأجهزة لبيوتنا وغرف نومنا وسياراتنا ومجالسنا، وأصبحت أصواتهم تتعالى داخل منازلنا!!
أصبحت الزوجة والأم والأخت والبنت يتابعن بشغف يوميات وسوالف هؤلاء الشباب التافهين، الزوجة تتابع وزوجها بجانبها في السيارة أو المنزل دون حرج أو خجل!! والأم والبنت والأخت مع ولي أمرها كذلك!!
أصبحت نساؤنا يعرفن أدق تفاصيل حياة هؤلاء الشباب بشكل مستمر، بل أكثر بكثير من يوميات وتفاصيل وأحداث أولياء أمورهن!!
كلنا نعلم الجانب المعلن من هذه الحكايات التي يشاهدها الجميع رجالاً ونساء وأطفالاً، لكن هناك جانبًا خفيًّا خاصًّا لهؤلاء الشباب، هو المراسلات عبر خاصية «الخاص»، أو كما يسمى بـ»الدايركت». هناك أشياء وأحداث وتصرفات من مراهقات ترسل لهن عبر الخاص، لا يستطعن البوح بها؛ فيها ما فيها من أشياء لا يعلمها إلا الله.
النساء لسن سواسية برجاحة العقل والدين؛
فقد تضعف إحداهن لأي سبب كان، وترسل لهذا الشاب أو ذاك عبر الخاص بحسن نية منها.
فمثل هؤلاء الشباب والشابات هم في ازدياد مستمر، وسلبوا عقول محارمنا ونسائنا، وأصبح التقصير والإهمال واضحَيْن وبازدياد داخل البيوت، وأصبحت مشاهدة حكاياتهم أصلاً، ومهام بيتها الأخرى فرعًا. وهؤلاء الشباب والشابات من بيئات مختلفة، ومستويات مادية مختلفة، يؤثرون بشكل أو بآخر على عقول محارمنا ونسائنا، ويفتحون بابًا للمقارنات، ويجد الشيطان وقتها بيئة خصبة لخلق جوانب سلبية، تؤثر سلبًا على حياة الزوجة بزوجها، والبنت بأبيها وأخيها، والأم بأبنائها!
فنصيحتي لكل زوج وأب وأخ:
حكِّم عقلك جيدًا وانتبه!!
كيف تقبل لزوجتك أو ابنتك أو أختك بأن تتابع يوميات رجل غريب بأدق تفاصيل حياته؟! علمًا بأنهم لا يقدمون فتاوى ولا استشارات أسرية ولا صحية ولا علمية، بل مجرد سوالف وضحك وإعلانات!!
لذلك أقول: عزيزي ولي الأمر، فكِّر جيدًا، وتأمل الموضوع من جميع جوانبه.. كيف تقبل وترضى أيها الزوج بأن تتابع زوجتك وتشاهد وتهتم بيوميات شاب غريب؟!
وأنت أيها الأب، كيف تقبل بأن تتابع ابنتك وتشاهد وتهتم بيوميات شاب غريب؟!
كيف تقبل وترضى أيها الأخ بأن تتابع أختك وتشاهد وتهتم بيوميات شاب غريب؟!
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.