قاسم حول
للمخرج التركي من الأصول السورية «سمير أصلان يورك» أفكار جديدة وغريبة في السينما، وهو نتاج السينما الروسية أكاديمياً، حيث درس السينما في معهد «الفكيك» في موسكو، وعندما عاد إلى تركيا، صار أستاذاً في الجامعة، يدرس مادة السينما. شاهدت له من قبل فيلم «الباحات السبع» عن حكايات تعبر عن معتقدات وتراث يعيشها الناس في القرى، تربطها امرأة في نهاية كل حكاية. سيناريو محبوك بطريقة فذة وجديدة في كتابة السيناريو. لعبت دور المرأة التي تنهي الحكايات، الممثلة اليونانية «أيف موارافيا» التي أتقنت أداءها بشكل جميل. مع عدد من مبدعي التمثيل الأتراك. فيلمه ذاك «الباحات السابع» يتميز ويوحي بالبساطة لكنه يذهب إلى عمق الحس الإنساني.
قبل عامين أنجز «سمير أصلان يورك» فيلماً جديداً، وأيضاً قد اختار له شخصيات تكاد تكون غير مألوفة للناظر أو حتى للشخص الذي يعيش في تركيا. لن يراها الرائي مهما بحث عنها في زوايا المجتمع التركي. وهذه المرة يبدو الفيلم بسيطاً منذ البداية. طفل لا يستطيع الكلام. فهو ليس أخرس، ولكنه يعيش حالة سيكولوجية ووراثية من الصمت وعدم القدرة على الحديث، توارثها عن جده الصامت أيضاً، ويمكن عند الضرورة أن يلقظ كلمة واحدة. هذا الطفل له صديق واحد من بين الأطفال الذين كثيراً ما يخذلونه، أو يسخرون منه أو يضربونه. وجد له صديق ظريف أحبه، وكلاهما أحبا المخرج التركي «يلماز غوني» وكل حلمهما أن يلتقطا صورة مع هذا المخرج والممثل الكردي الذي ذاع صيته في كل أنحاء تركيا وفي العالم.
نبذة عن يلماز غوني وهو فكرة وموضوع الفيلم - ولد «يلماز غوني» في قرية تركية هي قرية «أينجه» التابعة لمدينة «أضنه» في الأول من أبريل 1937 من أبوين كرديين. دخل عالم السينما عام 1957 كمساعد مخرج لفيلم «أبناء من هذا الوطن».
حصل «يلماز غوني» على 17 جائزة سينمائية أهمها السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عن أشهر أفلامه «الطريق» الذي أخرج نصف هذا الفيلم وهو في السجن. ويتحدث الفيلم عن الحياة الصعبة لكردستان الشمالية. سجن «غوني» عدة مرات بسبب مواقفه السياسية، وقد كتب وأخرج عدد من أفلامه وهو في السجن، حيث كان يوجه زملاءه السينمائيين أثناء زيارتهم له في السجن عن كيفية إدارة المشهد السينمائي ويرسم لهم مسار الكاميرا وحركاتها وعدساتها لكل مشهد. هرب من السجن وتوجه إلى فرنسا حيث توفي هناك عام 1984 وشارك في مراسيم تشييعه أبرز الشخصيات السياسية في فرنسا. وكان يمثّل في بعض أفلامه ويؤدي أدواره باللغة التركية. ومن أبرز أفلام «الطريق، الجدار، الأمل، الهاربون، الكابوس، الأب، الفقراء ...» واشتهرت شخصية «يلماز غوني» بين الناس وحتى في صفوف الفئات الشعبية والقرى النائية، فصار التقاط صورة تذكارية مع المخرج والممثل «يلماز غوني» حلم الطفلين موضوع فيلم الصامت، حيث أحدهما لا يجيد النطق. استطاع الطفل الصامت أن يحتفظ بما يحصل عليه من أهله من نقود كي يشتري كاميرا قديمة «بوكس» ويضعها في حقيبته، ويقرر مع صديقه الذهاب إلى مدينة أضنة معتقدين أنهما سوف يشاهدان «يلماز غوني» وهو يمثّل ويخرج الأفلام ويسعدان بالتقاط صورة تذكارية معه. هذه هي فكرة فيلم «الصامت» للمخرج التركي «سمير أصلان يورك» فلقد تمكَّن هذا المخرج من سبك حكاية ساحرة الكتابة قليلة الحوار تعبر الكاميرا عن قدرة هذا المخرج «أصلان» من سبر أعماق النفس البشرية، من الفلاحين إلى المهربين إلى الفاشيين والعنصريين، وأيضاً إلى الناس الطيبين في المجتمع التركي بأحداث بسيطة تواجه هذين الطفلين وهما في مسيرتهما الحالمة أن يلتقيا بالمخرج والممثل ذائع الصيت «يلماز غوني». الطفل الثاني صديق الطفل الصامت شخصية جميلة وحالمة. كان يحلم بفتاة لم يرها وربما ليست موجودة سوى في الحلم. يتم اعتقالهما من قبل أحد مخافر الشرطة وهما في الطريق إلى أضنة ويتعرض الطفل صديق الصامت إلى عقاب «فلقة» ثم يطلقان سراحهما. يمران على أحد المهربين الذين يرأف ببراءتهما فيساعدهما، وكذا يمران على راعية أغنام في مشهد ساحر الجمال من كل مشاهد الفيلم الساحرة الجمال، وتدلهما على الطريق المؤدي إلى أضنة. وعندما اقتربت المسافة يراهما صاحب عربة من تلك العربات التي يستعملها عادة الناس في نقل السياح، فيصعدهما معه ..وكان الطفل متعباً فيترك له الطفل الصامت المكان لينام في العربة، فيما يجلس الصامت إلى جانب الحوذي. يتوقف الحوذي ليشتري قنينة ماء ويرى الطفل نائماً. يضع يده على خده فيشعر أن حرارته مرتفعة فيجلب له دواء من صيدلية. ويوصلهما إلى مدينة أضنة. فيشاهد الطفل الصامت ملصق لفيلم يلماز غوني على شباك أحد المحلات، فيما المخرج سجيناً وهما لا يعرفان ذلك. فيحاول الصامت أن يوقظ صديقه النائم في حضنه أن هناك ملصقاً عن «يلماز غوني» يلتفت لصاحبه الذي نام في حضنه وخيط من الدم يخرج من فمه ويكثر الدم، وعبثاً يحاول إيقاظه.. وينتهي الفيلم في الفتاة «حلم الصبي الجميل صديق الصامت» التي شاهدناها في أول الفيلم كما الطير في المزارع، لكن السماء ملبدة بالغيوم وتنذر بالعاصفة والبرق والرعد.
حكاية مدهشة، وأحداث تبدو بسيطة ولكنها تكشف عن سيكولوجيات ناس وساسة وقرى وأحزاب وتيارات وطيبة وفقر وواقع تركي زاخر بكل المكونات. هذا الفيلم ينبغي على وزارة الثقافة التركية التي قدمت الدعم للمخرج «سمير أصلان يورك» أن تبشر بميلاد سينما تركية تضع تركيا سينمائياً في مصاف البلدان التي تنتج الأفلام العظيمة. وتضع «سمير أصلان يورك» إلى جانب كبار المخرجين في العالم.. فهو لا يقل أهمية عن «يلماز غوني ولا عن فيتوريو دي سيكا وأنطونيوني وبازوليني في أفلام السقف والرز المر وفتاة النهر وسارق الدراجة وكل أفلام موجة الواقعية الإيطالية» هذا الفيلم لم يأخذ مكانته في السينما العالمية بما يستحق أن يكونه. وعلى وزارة الثقافة التركية التي تدعم هذا المخرج وهو من الأصول السورية ومن حملة الفكر في العالم، يحظى برعاية الدولة التركية ولكن ينبغي على وزارة الثقافة أن تكمل ما تقدمه من الدعم أن تلحقه بالتكريم والتقدير لما يملكه من شجاعة الطرح السينمائي وبشاعرية مدهشة. لقد عشت مع فيلم «الصامت» ساعة ونصف الساعة إنساني كل نذالات الناس وكل نذالات الأنظمة وهكذا كما يقول يلماز غوني «أردت تحرير شعبي بالفن» هذا الفيلم ينبغي أن ترشحه الدولة التركية إلى أوسكار السينما في هوليوود كاليفورنيا، وسيكون جديراً بسينما تركية ذات بعد قياسي يطلق عليه العالمية. الفيلم سوف يشارك بمسابقة مهرجان زاكورا عبر الصحراء في المغرب في الخامس عشر من هذا الشهر «ديسمبر» 2016 وسيحضر المخرج سمير أصلان يورك عرض الفيلم في المهرجان.