محمد عبد الرزاق القشعمي
استحق سفير الأدب العربي في الأكاديمية الفرنسية بباريس عن جدارة جائزة الشيخ زايد للكتاب، والذي قررت هيئتها العلمية ومجلس أمنائها منح لقب شخصية هذا العام الثقافية في دورتها العاشرة للكاتب العربي اللبناني أمين معلوف والذي يكتب رواياته التاريخية باللغة الفرنسية. وقيمة الجائزة مليون درهم إماراتي (270 ألف دولار).
وقالت أمانة الجائزة عن المعلوف: «تقديراً لتجربة روائي حمل عبر الفرنسية إلى العالم كله محطات أساسية من تاريخ العرب. وتاريخ أهل الشرق بعامة، وسلط أضواء كاشفة على شخصيات نذرت نفسها لإشاعة الوئام والحوار الثقافي بين الشرق والغرب، وأعاد خلق تجارب فذة ومغامرات مؤثرة، وتميز في هذا كله بأسلوب أدبي يجمع مفاتن السرد العربي إلى بعض منجزات الحداثة الغربية في الكتابة الروائية وكتابة البحث الفكري». هذا وقد تسلم الجائزة في الأول من شهر مايو 2016 بأبوظبي.
لقد فاز هذا العام 2016م وكان قد فاز بجائزة مؤسسة سلطان العويس الثقافية وهي جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي للدورة الثانية عشرة 2010 – 2011م، والبالغ قيمتها 120 ألف دولار. وقبلهما فاز بجائزة (جونكور) عام 1993م عن عمله الروائي صخرة طانيوس.
وأمين معلوف المولود في 25 فبراير 1949م هاجر من لبنان أثناء الحرب الأهلية إلى باريس حيث عمل في مجلة النهار العربي والدولي الأسبوعية، كما اشتغل في المجلة الفرنسية (جون أفريك) أو (أفريقا الفتاة). وكان قبل هجرته يعمل في صحيفة (النهار البيروتية).
ومن عام 1983م بدأ من باريس بكتابة الرواية التاريخية باللغة الفرنسية بدءاً بـ(الحروب الصليبية كما رآها العرب) ثم (صخرة طانيوس) ثم (ليون الأفريقي) فـ(سمرقند) وحدائق النور وموانئ المشرق والهويات القاتلة وغيرها، و(بدايات) وهو يحكي فيها قصة عائلته الكبيرة وهجرة جده إلى كوبا ووفاته هناك قبل نحو 150 سنة وذهابه إلى هافانا والبحث عن قبره حتى عثر عليه كما تطرق إلى ما كان يقوم به جده من دور في زرع العلم والمعرفة لأبناء الضيعة وما جاورها.
وأذكرانه قد كان بيني وبينه مراسلات بعد صدور كتابه (بدايات) لكوني قد أصدرت قبله بعدة سنوات كتابا يحمل الاسم نفسه، ورغب أن نلتقي ببيروت ليتسلم هديتي وهي عبارة عن (جمل) مقابل أن سمى كتابه باسم كتابي (بدايات) الذي سبقه، وذلك خوفاً على الجمل من الموت في صقيع باريس.
وقد كتب عنه مؤخراً عبده وازن في الحياة تحت عنوان: (الوجه الفرنسي لأمين معلوف) عندما ألف كتابه الجديد (كرسي على السين) وهو الكرسي 29 الذي احتله في الأكاديمية الفرنسية والذي تعاقب عليه كبار المفكرين والعلماء ومنهم رابليه ومونتاني وكورناي وراسين وموليير، أما آخر من جلس على هذا الكرسي فكان العالم الانتروبولوجي الرائد كلودليفي ستروس الذي خلفه معلوف في حزيران (يونيو) 2011م ليكون واحداً من حراس اللغة الفرنسية. وقال عبده وازن في ختام كلمته عن المعلوف: (... شاء أن تكون علاقته بالكتّاب والعلماء الذين سبقوه إلى المقعد 29 علاقة الإبن بآبائه وعلاقة الخلف بأسلافه..
قد يكون أمين معلوف في هذا الكتاب فرنسياً أكثر من الفرنسيين، ولكن ليس في معنى أن يكون المرء ملكياً أكثر من الملكيين أنفسهم، كما يضرب المثل من قبيل النقد أو الهجاء.
وليس مصادفة أن يطلق معلوف عنواناً ثانوياً على كتابه هو (أربعة قرون من تاريخ فرنسا) فالمقعد 29 هو وجه مضيء من تاريخ فرنسا مثل سائر المقاعد ومثل الأكاديمية نفسها والكبار الذين صنعوها وصنعتهم».
وختاماً سيبقى أمين معلوف متألقاً وفاعلاً ومتفاعلاً مع كل جديد وحديث في هذه الحياة، صحيح أنه اشتهر برواياته التاريخية وعن الشرق ونفض الغبار عنها ليقدمها للقارئ الغربي بأسلوب سهل جذاب.. ومما قاله عنه عبدالحميد أحمد أمين عام مجلس أمناء مؤسسة سلطان العويس عند اختياره ليمنح أرقى جوائزها وهي جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي للدورة الثانية عشرة 2010-2011م. قال: «.. إنه ساهم في الكشف عن أحداث وشخصيات وصراعات شهدتها منطقة الشرق العربي والإسلامي، وكان لها حضورها وتأثيرها في الغرب، كما شكل إبداعه همزة وصل ربطت الشرق بالغرب.. وقال: إن أمين معلوف يوجه خطابه إلى القارئ العادي وهو ما ساهم في رواجه بين القراء حول العالم وبمختلف اللغات، فقد أعاد الاعتبار لكثير من الحقائق في هذا التاريخ، كل ذلك من خلال عمل دؤوب في البحث والتقصي ومثابرة لا تكل في التعبير عن رؤاه لهذه الأحداث والشخصيات التي عبر عنها في مجمل أعماله».
ومع ذلك نرى (قاموس الأدب العربي الحديث) يصر على موته في طبعتيه الأولى عام 2007م والأخيرة 2016م وهي تكرر ما سبق في الطبعة الأولى (أمين معلوف 1935-2003م) ولم تذكر في الطبعة الثانية التي نشرتها الهيئة العامة للكتاب بمصر أنه أصبح عضواً في ا لأكاديمية الفرنسية من عام 2011م أو حتى على الأقل إزالة سنة وفاته المزعومة – رغم أن أي مؤسسة ثقافية في العالم يكون لها اتصال وعلاقة بالمؤسسات المماثلة في فرنسا، فكيف بالأكاديمية التي تضم كبار العلماء والمفكريين الفرنسيين وأمين معلوف أحدهم بل هو الوحيد العربي فيها.
فإذا غاب هذا عن الناشر الأول (دار الشروق)؟ فكيف بالناشر الثاني؟ وهي أهم مؤسسة ثقافية رسمية في مصر. هذا إذا استثنينا الباحث الرئيسي للقاموس في طبعتيه الأستاذ الدكتور حمدي السكوت وهو أستاذ الأدب العربي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والجيش من العلماء والكتاب والمدققين والمراجعين والذي قال عنهم في مقدمة الطبعة الثانية: «.. وكان لتطور المهم الذي أدخل على منهج إعداد هذه الطبعة هو تعيين لجنة خاصة للإشراف على إعداد القاموس، اختيرت بعناية من أساتذة أجلاء أكفاء، جادين، مبدعين ونقاد، أسهم أعضاؤها إسهاماً كبيراً في اختيار المشرفين والمراجعين الجدد في مصر وفي العالم العربي بعامة..» ثم عدد أسماء أعضاء اللجان، وأجزل لهم الشكر، ثم استعرض أسماء المراجعين وشكرهم، وختم شكره لرئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب لترحيبه بنشر هذا القاموس، حين عرف أنه ترك ناشره السابق – الشروق – وختم بشكر خاص للأستاذة جيلان زيان التي تفضلت بمراجعة كل ما ورد في القاموس من مفردات ومؤلفات ومراجع باللغة الفرنسية، ونبهت إلى وفاة من توفي، ولا ينسى شكره كل الشكر لزوجته الدكتورة إي. إم. سارني على ملاحظاتها الكثيرة المفيدة، وعلى تذليل كل الصعاب.
قد يكون من مهمة الأستاذة جيلان إضافة سن وفاة من توفي من الأعلام بين الطبعتين فكيف بمن ذكر أنه متوفى وهو ما زال يعيش بيننا وبمكان علمي مرموق، وما زال يصدر وينشر الأعمال الأدبية المميزة ويُتَسابق إلى نشرها وترجمتها إلى لغات شتى.
وللعلم فقد كتبت قبل هذا عن القاموس المشار إليه منتقداً ومشيراً ومنبهاً إلى فداحة الأخطاء والقصور في المجلة الثقافية – جريدة الجزيرة – بعيد الطبعة الأولى يوم الاثنين 25 شباط 2008م ومقال آخر بعد الطبعة الثانية بتاريخ 5 مارس 2016م بعنوان: (قاموس الأدب العربي الحديث في طبعته الثانية.. لا يخلو من النقص والأخطاء كسابقه)، أما هذا المقال فهو خاص بأمين معلوف بمناسبة حصوله على جائزة الشيخ زايد للكتاب.