د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
لم أعرف أستاذنا الدكتور أحمد خالد البدلي رحمه الله سوى في السنة الثانية من دراستي في كلية الآداب حين انتظمت في قسم اللغة العربية عام 1391ه، وكان من مقرراتنا (اللغة الفارسية) التي تفرد بتعليمها في جامعة الملك سعود أستاذنا أحمد خالد البدلي الذي رأيناه يدخل علينا شابًّا يمتلئ بالنشاط والحيوية ويبث بروحه المرحة روح البهجة، فأنسانا لأول وهلة أنه جاء يعلمنا؛ إذ وجدناه صديقًا نجد بصحبته المتعة والبهجة والفائدة، توالت ثلاث سنوات من التعلم لهذه اللغة التي كنا نستمتع بسماعها بصوته وهو يقرأ لنا من أشعارها ونصوصها العالية، كان نطق تلك اللغة يضج بالتفخيم، قال أستاذنا هذه سمة نطقهم حتى إنهم يتلون القرآن بهذه الطريقة وراح يقرأ الفاتحة كما سمعهم يقرأونها، قال إن قرأت أمامهم بغير هذه الطريقة ضحكوا منك وسخروا.
لم تكن اللغة الفارسية التي نتعلمها بعيدًا عن بيئتها بلغة سهلة، فنظام الجملة وترتيب عناصرها غريب علينا مخالف لما ألفناه في لغتنا، فالجملة الفعلية في العربية يتصدر فيها الفعل وفي الفارسية يختم بها الفعل. ووجدنا عنتًا في نظام الزمن فيها وذكرتنا بما عانيناه في دراستنا للفرنسية في الثانوية ولا غرو فكلتاهما لغتان هنديتان أوربيتان.
لم يكن أستاذنا ليفوت النكتة أو التعليق الساخر، أذكر أنه كان يدون بعض الألفاظ على اللوح ونحن نلاحقه بالكتابة بجد ونشاط فكتب (كور) وترجمتها (أعمى) فقال زميلنا محمد العامر غافلًا «يا أستاذ حنّا [نحن] نسمي العبد كور»، فبادره أستاذنا ضاحكًا «أيوه سبَّ أستازك [أستاذك] يا محمد» فضج الفصل بالضحك، لم يكن يزعجه لونه أو نظرة الناس إلى لونه بل كان يعتز بأن ينتهي إلى قبيلة فلاتة في أفريقيا، ومتى عرض إلى شيء من ذلك ضج بالضحك، أذكر أنه كان جالسًا إلى جوار أستاذنا الدكتور محمد الهدلق المعروف بمرحه وفكاهته، ولم أتمكن من سماع تفاصيل ما جرى بينهما، ولكن كان يبدو أن البدلي تحدث عن كتاب (التوحيد) للشيخ محمد بن عبد الوهاب، قال الهدلق وهو يبتسم في وجهه: هذا حقّ الله على العبيد، فضحك أستاذنا البدلي.
لم يسلم اسمه من تعليقه إذ سمعته يقول إن الإيرانيين يضحكون علينا وعلى أسمائنا يقولون لماذا ترسلون إلينا غير الأصليين، ترسلون العوضي والبدلي.
حين عدت من البعثة تشرفت بمزاملته في القسم، وتعلمت من خلقه وعلمه وحسن تعامله، كان مكتبي إلى جوار مكتبه، أمر عليه فأراه يقرأ، ما رأيت في حياتي أحدًا في مثل إدمانه القراءة فهو لا يترك صحيفة إلا قرأها ثم يعود إلى الكتب فيقرأ ما شاء الله له أن يقرأ من كتب الأدب والتاريخ.
بقي أستاذنا في قسم اللغة العربية حتى بلغ سن التقاعد، وآثر البقاء في بيته على الرغم من أن الدكتور عبدالرحمن السماعيل رئيس القسم أراده أن يبقى في مكتبه وإن لم يكلف بعمل من أعمال القسم، ولكنه لم يقبل، على أنه كان يزور القسم من حين إلى آخر، يجدد لهذا القسم محبته ويحيي شيئًا من ذكرياته، وكنا نفرح بمقدمه نتحلق حوله ونصغي لحديثه الممتع بلهجته المكية المتميزة.
رحم الله أستاذنا النبيل الدكتور أحمد خالد البدلي الذي توفي في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر صفر 1437 هـ.