سهام القحطاني
قلت سابقا إن أهمية مقالات هموم الصحافة لخالد المالك أنها تأتي من «رئيس هيئة الصحفيين»وهذا له دلالته الحيوية؛ إذ أن كشف المشكلة تأتي من موقع «صانع قرار»وهو بذلك يحمل على عاتقه»تجديد العقل الصحفي» كما أن إصدار المشكلة من صانع قرار يعني أن المشكلة ستحظى «بتفكير جدي» -أو هكذا أتمنى- من قِبل «صنّاع الصحافة»على كافة المستويات، وبذلك تتجاوز المشكلة حالة «التشخيص و التفكيك»إلى مستوى التخطيط و التغير والتغيير»وهو مستوى لايمكن أن يتم بعيدا عن إعادة تشكيل الوعي والاعتقاد و التوقع، أي تجديد «ثقافة التسويق و التنافسية لجذب المتلقي مرة ثانية إلى الصحافة».
و مسألة إعادة التشكيل لا تتعلق بجذب القارئ فقط بل والمهم أيضا بإعادة تشكيل وعي «القائمين على صنّاعة الصحافة»؛أي تجديد العقل الصحفي،وأظنه تحديا ليس بالهين قد يواجه خالد المالك كرئيس لهيئة الصحفيين.
والتركيز على «مشكلة عزوف المتلقي» عن شراء الصحيفة لِم لهذا العزوف من آثار اقتصادية بدءا من «انحسار مساحات الإعلان»وصولا إلى التغييب.
لعلي لا أؤمن بمقولة»موت الصحافة الورقية»؛ليس فقط كما قال خالد المالك بسبب»إخلاص العشاق التقليدين للصحافة الورقية» إنما يضاف إلى ذلك خصائصها.
فالصحافة الورقية ستظل مصدر توثيق غير قابل للتزييف أو الضياع،كما أنها تتميز بقلة التكلفة المادية بالنسبة للمتلقي، وعدم ارتباطها بمشروطات تقنية معقدة تثقل كاهل المتلقي قد تُرجّح كفتها على الإلكترونية،كما أنها وسيلة إعلامية تتناسب مع خصائص كافة الفئات القرائية، كما لايمكن تجاوزها كوثيقة تاريخية تتصف بسهولة الرصد و الدراسة،ويمكن الوثوق في موضوعيتها بقدر معقول، وهي مصدر للشهرة و التلميع، و تحتمل التفاصيل، إضافة إلى أنها مأمونة أخلاقيا و فكريا، و لاترتبط بأي أضرار صحيّة، وستظل دوما المصدر الأول لقياس مستوى الشعبية.
واقتراب الصحافة الورقية أو ابتعادها عن مصدر الصعود و الهبوط، يعتمدعلى ثنائية» التنافس والتسويق» الذي يدور فلك شعبيتها حول المتلقي.
وعودة تلك الشعبية لشراء الصحف، و تجاوز الصحافة أزمتها يبدأ من «هيئة الصحفيين» و أول خطوة هي اعتماد « إدارة الأزمات».
من خلال أولا:إنشاء «مركز أبحاث»خاص بالهيئة ،يقوم بإجراء الدراسات المختلفة الكاشفة عن أسباب أزمة الصحف وحتى لا يدخل الظن والاجتهاد في تحريك هذه الأزمة الذي يضّر ولا يفيد.
و الأمر لا يقتصر على دراسة أسباب الأزمة إنما يشمل كذلك وضع الخطط العلمية لعلاج هذه الأزمة و كيفية جذب المتلقي و إعادته إلى الصحف وزيادة السقف الشرائي.
ومن خلال ثانيا: الاستعانة بالأكاديميين في علم الاجتماع وعلم النفس وعلم التسويق،لأن من ينظر إلى المشكلة من الخارج أقدر على حلّها.
تعتمد الصحافة في استمرارها و صعودها الاقتصادي على الجمهور أو الفئات القرائية، ولدينا في العموم سبع فئات قرائية هي؛الأطفال والطلاب والمراهقين والشباب والنساء والمثقفين والناضجين -القراء من سن الأربعين فما فوق-.
والسؤال من أكثر الفئات القرائية نفعا اقتصاديا للصحف ورفعا لسقفها الشرائي؟لتعمل على جذبه وتسوّق وفق احتياجاته؟.
يعتبر «الطلاب والمراهقين والشباب والنساء» هم أكثر الفئات القرائية التي يمكن جذبهم و استثمارهم من قِبل صنّاع التسويق والتشويق الصحفيين لرفع سقفها الشرائي؛لِم تتميز به هذه الفئات من حب الفضول و ملاحقة الإثارة، والتبعية النجومية.
وهي خصائص يمكن الاستفادة منها لصناعة جاذبية التسويق و التشويق.
إن العقل التقليدي الصحفي كان يقوم على»ماذا تريد الصحافة من القارئ»في حين أن العقل الصحفي الجديد يقوم على»ماذا يريد القارئ من الصحافة»وهو ما يعني أن القارئ أصبح شريكا في الفكر والعمل الصحفيين وإحساس القارئ بهذه الشراكة هو الذي سيدفع عودة الابن الضال إلى الصحافة.