«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
وصف الدكتور سعد البازعي القارئ بأنه مرتكز لـ«نقد التلقي» مشيرًا إلى أن هذا النوع من النقد نشأ أول الستينيات، فيما شهدت السبعينيات بروز نقاد في نظريات التلقي، بالتفاعل مع الفلسفة «الظاهراتية» التي تنظر إلى أن المعرفة تنشأ من الذات باتجاه ما حولها، وبأن القراءة تتم لشيء ما، إِذ يرى «آيزر» وغيره من نقاد أوروبيين أن الكاتب الأدبي عليه الكتابة ما بين سطور، ما جعل من هذا المنطلق متطابقًا إلى حد كبير بما هو سائد في العالم الثالث، مردفًا قوله: ظهر ضمن تطورات نظيره التلقي ما يعرف بـ«تطور القارئ الضمني» بعيدًا عن القارئ الفعلي بوصفه القارئ الحقيقي، لكون الضمني داخل النص بوصفه «افتراضيًا» متخيلاً في اللا وعي، إلى جانب مفهوم «أفق التوقعات» بهدف معرفة كيفية تفاعل النص مع متلقيه وفقًا لرؤى مسبقة حول النص التي يأتي من ضمنها: معرفة القارئ بالكاتب، أهمية النص، تاريخ النص، نظرة الآخرين للنص، ما جعلها تشكل أفقًا، وتؤثر في طبيعة التلقي وتأويله، ما يعني عدم وجود قارئ أو متلقٍ حر، مشيرًا إلى أن «المجتمعات التفسيرية» وما عرف بـ«الفجوات» التي يملأها القارئ المتلقي، جاءت ضمن تطور نظريات التلقي، واصفًا الرقيب (الذات) بأنها تراقب نفسها، فيما الرقيب الضمني تتخيل معه الذات وجود رقيبًا عليها رغم تداخلهما في ذات الكاتب، ما يجعل من الرقابة الضمنية تسعى إلى الاحتفاظ بالاختلاف والتحايل على الرقابة، فيما الرقابة الضمنية تسعى إلى تلمس الاختلاف والتماهي معه.
وعن «نماذج» الرقابة الضمنية شعرًا، قال المحاضر: عدد من المجاميع الشعرية تحمل في عناوينها «الصمت» ما يشير إلى قلق «ضمني» مسكوت عنه في النصوص، ولمدى الإحساس بوجود الرقيب «الضمني» أيًا كان اجتماعيًا، تاريخيًا، مؤسسيًا.. كديوان الشاعرة فوزية أبو خالد «أشهد الوطن قراءة في السر لتاريخ الصمت العربي» إِذ العنوان مشكلة في حد ذاته بوصفه قراءة سرية، بالنظر إلى ما يعكسه الإحساس بالرقيب الضمني الذي تحايلت عليه الكاتبة في عديد من نصوصها، إضافة إلى عديد من نصوص محمد الثبيتي، وعلي الدميني كما هو في قصيدة «الهوادج» التي توظف تقنية «البياض والصمت» من خلال توزيع النص في الصفحة، الذي يبوح بدلالات ليست مغيبة لا غائبة! أما في جانب «السرد» فاتخذ البازعي من رواية أميمة الخميس»البحريات» أنموذجًا للرقابة الضمنية، قائلاً: صوت الكاتبة لا يكاد يغيب في أجزاء الرواية، التي يتضح فيها الكتابة بحذر شديد، ما جعل من الكاتبة تعطينا مفاتيح لقراءة ما بين الأسطر بطريقة إيحائية، ما يضعنا أمام رقيب ضمني في النص يطل برأسه من بين أسطر الرواية.. جاء ذلك خلال الندوة التي أقامها كرسي بحث «الجزيرة» للدراسات اللغوية بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، تحت عنوان: «الرقيب الضمني: نحو نظرية مختلفة للتلقي» بالتعاون مع نادي الرياض الأدبي الثقافي، التي أقيمت بمقر النادي، مساء أمس الأول، وقدمها وأدارها الدكتور بدر المقبل.
وقد شهدت الأمسية جملة من المداخلات من الجنسين، جاء منها مداخلة للدكتورة زكية العتيبي، التي تساءلت عن خصوبة هذه الرقابة في (أدب المرأة) والسعودية خاصة، إِذ علق المحاضر بأن هذا متروك لجهود البحث للتعرف على مدى حضوره، موضحًا أن النصوص الغربية تتعرض لنوع من الرقابة المختلفة في النوع والمستوى كالأدبيات المعادية لليهودية، في تعقيبه على مداخلة للدكتورة هيفاء الفريح، عن ضمنية الرقابة في الأدب الغربي؛ فيما تساءل عمر باصريح، عن موقع الرقيب ضمن عمليات الاتصال بالنص ما يجعل منه ركنًا متى ما كان حقيقيًا؛ ليتقاطع معه الدكتور صالح معيض الغامدي، في مداخلة عن مدى جدوى المصطلح بين الرقيب والقارئ الضمني، إِذ علق المحاضر: القارئ الضمني هو الرقيب الضمني إلا أن اختلاف الدور يجعله رقيبًا لا قارئًا.
وفي مداخلة الدكتور فالح العجمي، قال: يختلف الرقيب عن القارئ في عديد من دلالات الكتابة في الشكل أو المضمون بين الأسطر، التي ربما وجدت أكثر لدى القارئ لا الكاتب؛ فيما أكَّد البازعي على أن السيرة ذاتية منطقة خصبة لهذه الرقابة، في رده على مداخلة للدكتورة أمل التميمي، عن تطبيق نظرية التلقي في السيرة وعلاقتها بالبعد الجمالي، فيما تساءل خلف الثبيتي عن وجود ما يعرف بالقارئ المقاوم من منطلق أيديولوجي، أو من خلال المقاومة لشكل جنس أدبي ما، فيما أشار الدكتور خالد الرشيد في مداخلته إلى قلق التأثير الذي يضع الكاتب تحت تأثير من سبقوه إلى نصوصه مضمونًا أو شكلاً، فيما تساءلت سارة الرشيدان، عن علاقة سوء الفهم بين الكاتب والقارئ من خلال سوء التأويل.. حيث قام رئيس مجلس إدارة النادي الدكتور عبدالله الحيدري بتقديم درع تكريمي للبازعي ختامًا للأمسية.