هل للفنتازيا جانب حقيقي كالجانب الخيالي؟!
عيون بلون السماء وأمواج البحر، ترى أحدّ من النسر، وأبعد ما يصدقه الإنسان في أيامنا، برؤى أنقى من شاشات المنظار الليلي. زرقاء اليمامة لها عينان لم تتكررا منذ ألفَيْ عام، ولو تم استنساخهما!! فالقوم ليسوا بحاجة إلى أبراج مراقبة، يقف في كل زاوية من أبراج السور شخص ملغم بعدة وعتاد حديثة للمراقبة، حتى يرى على بعد، ولكن كل ذلك لم ينفعها حين كذبها قومها عندما أنذرتهم فصبحهم العدو، واستباح بيضتهم! ثم اقتلعت أعينها من محاجرها فأصبح جزاؤها كسنمار! ما بالنا منذ القدم لا نقدر قيمة القدرات الخارقة! ولا نحوطها بالعناية الفائقة! فكم نحتاج إلى مثل هذه العيون في وقتنا؟ وكم ستوفر لنا من الأموال والعتاد لو كان عندنا أكثر من زرقاء؟ أم يحتويها الغرب كعادته فتكون العيون والعقول في راحة منقطعة عن فوضى عالمنا الرحب! عندما كنا صغارًا على خشبة الدراسة نسمع بزرقاء اليمامة كمثل يطلق على أصحاب العيون حادة النظر! فكنت أحسبها خرافة من أساطير القدماء، ومزحة عربية لا تصدق، وهذه من خوارق العادة، ولكنها فنتازيا حقيقية من حقائق طسم وجديس أصحاب اليمامة! يقابلها عند الغرب الملهم بالخيال الخرافي والعلمي سوبرمان وأصحابه، وساعة الزمن لأندرو نيكول، وليس آخرًا سيد الخواتم! وهذا كله من السعي خلف الميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة) والاستكشافات المستحيلة التي بات الغرب يؤمن بحقيقتها شيئًا فشيئًا حتى صدقها الكثير، ثم بات يقلدها ويحلم بها كالأطباق الطارئة التي تغزو الأرض!
للحياة وجهان: حقيقي وخيالي، وقد يتسرب أثر الشك في النفس حين لا تكون هناك من يسعف الرواية الحقيقية بأوجه يميز بينها وبين الخيال! فالحلم قد يكون في النوم واليقظة، وكثيرًا ما يصاحبها فنتازيا غير حقيقية، وقد يكون إبداعًا، قد يتوج بأعمال خالدة عبر التاريخ، ثم تصبح محاكاتها على سبيل الإيمان بها، وإن كانت فنتازيا تجنح أحيانًا إلى الدخول في معترك العقيدة، كرسالة الغفران، فإنها على جودتها الأدبية والفنية كعمل خيالي لم يضاهه عمل في تلك الحقبة إلا أن الخلاف العقدي عليها ظل لقرون كمحل شك في إيمان أبي العلاء، ومثل ذلك الكوميديا الإلهية.
في المنظومات التراثية تختلط الفنتازيا الخرافية بالحقيقة أحيانًا على حسب المؤرخ وينبوعه الذي يستقي منه! فقد تخرج طاقية الاختفاء فجأة في إحدى قصصه على سبيل العبث كما عند السندباد ورفاقه! أو الخاتم والإبريق وعفريت الأمنيات المستحيلة! أو حين تحكي للبعض قصة تأبط شرًّا والشنفرى والسليك بن السلكة في العدو وسباقهم للريح.. يصيبه الدهشة وقد يضحك مستنكرًا. فمن لا يعرف ذلك العهد، ولا يقرأ فيه بعناية وتدبُّر قد يحسبه من الهذيان! والكذب البواح! فأي أرجل تلك التي تسبق الخيل في عدوها؟! ونحن نستجدي الآن الزمن بأن يسعدنا يومًا بإحراز ذهبية الأولمبياد في المسافات القصيرة والطويلة ولو دون تحطيم رقم جديد!
- زياد السبيت