علي الصراف
لسبب ما، ولنقل إنه «بنيوي»، فإنه مهما بلغت تعديات إيران وتهديداتها وتدخلاتها, فإنها ذاهبة بها وبنفسها إلى الجحيم.
حسنٌ جدا أن أركان نظام الملالي هذا لم يدركوا ذلك البُعد الذي يجعلهم يذهبون من الخسارة إلى أسوأ منها. وسيكون من الأحسن لو أنهم لم يفهموا أبدا. فالطريق إلى الجحيم عادة ما يكون مفروشا بالإصرار على الضلالة، والتمسك بالخطيئة.
انظر في الأمر على النحو التالي: لو أنك أقمت جدارا أعوج، وبنيت عليه ما بنيت، فماذا ستكون النتيجة؟
سوف ينهار لا محالة. إن لم يكن اليوم، فغدا. ذلك من طبائع الأمور. فالأعوج أعوج، حتى ولو بدا طاغيا وقادرا على إلحاق الأذى.
إيران-الولي اللافقيه، «دولة» مشروع أيديولوجي. هذا هو الحجر الأساس!.
وهذا أول العوج! انظر في كل تاريخ دول المشاريع الأيديولوجية، وقل لي ماذا ترى؟.
لقد انهارت على رؤوس أصحابها جميعا. وستظل تنهار إلى يوم الدين.
دول المشاريع الأيديولوجية، تستطيع في أول الأمر أن تحشد من حولها الأتباع. وعندما يمر بلد في أزمة خانقة (سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية)، فإن واحدا من «التصوّرات» سوف يفرض نفسه في النهاية، ويبدأ من حوله الهيجان الشعبي، وترتفع سقوف التوقعات، ويكون من السهل على ذلك «التصوّر» أن يجنّد شعبا بأسره، وموارد البلاد كلها، لكي يثبت أنه يمتلك ناصية الصواب. بل وقد تخاض من أجل فرضه الحروب أيضا.
مع ذلك فإن النتيجة تظل هي نفسها، لسبب بسيط، هو أن المشاريع الأيديولوجية مغلقةٌ بطبيعتها، وعاجزةٌ بطبيعتها عن النظر في الوقائع بتجرد، ومحكومةٌ بطبيعتها بمجرى ذلك التصور. إنه في عينها الحق كله. وكل طريق سواه باطل.
من هنا يبدأ الركض في الاتجاه الخطأ.
يقول المثل الإنجليزي: «ما نفع الركض، إذا كنت تركض في الاتجاه الخطأ؟». ولكن، دع عنك. لا أحد سيفهم. وهذا رائع.
لقد أقام شيخ الضلالة خميني نظاما يقوم على تصوّر، وسعى إلى فرضه على البلاد، وأنشأ له مليشيات، وخاض من أجله الحروب. ولكن ماذا كانت الحصيلة؟
إنها خرابٌ، وخسائر، وسفك دماء ليس في إيران وحدها، ولكن في كل مكان امتدت إليه يد هذا النظام.
الاقتصاد الإيراني نفسه تحول إلى اقتصاد مليشياوي. والإدارة العامة ليست سوى «نظام» للفوضى والعشوائية التامة، والناس يشعرون أنهم سائرون من درك إلى درك أسفل منه باستمرار. والبلاد لا تخرج من أزمة حتى تدخل في أخرى. وما من شيء (عدا سباق التسلح) يمضي إلى الأمام.
التصور الأيديولوجي الذي دفع بإيران لكي تجند إمكانياتها، المحدودة أصلا، من أجل التدخلات في الخارج، كان في الواقع انعكاسا لمأزق داخلي. فالفشل الاقتصادي كان واضحا، بسبب الطبيعة غير العملية، وغير البناءة لذلك التصور.
اختارت إيران الركض في طريق الحروب، إنما من أجل أن تثبت أن تصورها الكوني قادر على أن يجني مكاسب هزيلة. ولكن ثبت أنها مكاسب هذيان أيديولوجي لا يُطعم إلا حفنة من الفاسدين من حوله.
فلا «احتلال أربع عواصم عربية»، كان احتلالا ناجحا، ولا ناجزا أصلا، ولا هو قدّم أي خدمة حقيقية لتعزيز قدرات إيران الإستراتيجية. ذلك لأنها تقوم على أساس داخلي هش، ولأنها استدعت، بالضرورة، كل الحوافز المضادة لمواجهة مشروعها الطائفي البغيض.
ويا للمهزلة. فما كان أعوج في إيران، ثبت أنه أعوج في تلك «العواصم» أيضا، وعاجز (مثل أصله) عن البقاء.
ولئن أثمرت التدخلات دمارا وفسادا وسفكا للدماء وأنماطا شتى من الانهيارات، هنا وهناك، فلا تحسبن أن شعوب إيران المقهورة كسبت لنفسها شيئا. لقد تم هدر الإمكانيات، التي كان يتعين أن يتم تجنيدها لمعالجة احتياجات البلاد التنموية، وتم استبدال الأزمات السابقة بأسوأ منها، ليس على مستوى الاقتصاد فحسب، ولكن على كل مستوى سياسي واجتماعي آخر.
نحن إنما نتحدث عن بلد يأكل التضخم الفاحش فيه كل فائدة للنمو، وتتداعى بنيته التحتية، ولا يجد الموارد الكافية لتمويل برامج التعليم والصحة والخدمات.
طبعا. أنه يصنع صواريخ، من أجل أن يشعر بأنه قادر على البقاء. إنما لكي يقصف بها ما تبقى من إمكانيات!
والأعوج أعوج. ولا أدري كيف يمكن للركض في الاتجاه الخطأ أن يوصل هذا البلد إلى أي مكان آخر غير الخسارة وضياع الوقت والمذلة والخذلان.