د. عبدالرحمن الشلاش
مفردة التعايش التي تشير إلى أن يعيش المجتمع بكل أطيافه وشرائحه في سلام وتسامح وتكاتف لم تكن مطروحة أو متداولة في المملكة على الأقل قبل ثلاثة عقود من الزمن. أعني أنها لم تكن ذات أهمية قبل ظهور ما يسمى بالصحوة ثم الثورة الخمينية في إيران وما تبع ذلك من ظهور الأحزاب وتوزع الولاءات بين جماعات إسلامية سنية وشيعية.
كانت النظرة في ذلك الوقت أن المجتمع مسلم حتى وإن كانت هناك طوائف من السنة والشيعة والصوفية إلا أن الجميع يعيشون في وطن واحد عليهم الإخلاص له والعيش على ترابه بسلام. الدين الإسلامي لم يرفض التعايش مع المخالفين في الدين من يهود ونصارى فما بالك بأبناء الدين الواحد. هكذا كان الوضع في المدينة في العصر النبوي وفيما تلاه من العصور الإسلامية.
اختلاف الناس في الدين وفي المعتقد لم يكن مبرراً للإقصاء أو الدعوة للطرد من الوطن. لم يذكر مثل هذا في أي عصر من العصور كانت معايير التعايش تدور حول إخلاص الفرد لوطنه فإذا خانه أو تمرد عليه استحق أقصى العقوبات, كذلك احترامه لغيره من الفئات, وتقيده بأنظمة الدولة, ويبقى دينه ومعتقده بينه وبين ربه.
لعلنا في هذا الوقت بتنا وأكثر من أي وقت مضى نبحث في موضوع التعايش وضرورة تطبيقه بما يكفل تقوية التلاحم بين أبناء الوطن الواحد. أدرك مثل غيري أن مشكلتنا في التباعد من ضعاف العقول ومن الذين يسعدهم تفرق أبناء هذا البلد الأمين من الأعداء المتربصين لكن لا يمنع من بحث كل السبل لتقوية جبهتنا الداخلية.
سعدت كثيراً بتبني مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لموضوع التعايش وتنظيمه للقاء التعايش المجتمعي وأثره في تعزيز اللحمة الوطنية بدء من مساء يوم الثلاثاء 29-2-1438 وحتى مساء الخميس 2 ربيع الأول 1438 في مدينة الرياض بمشاركة خمسين عالماً وباحثاً من مختلف الأطياف. يشكر المركز فقد جمع هذا العدد الكبير لمناقشة محاور منتقاة بعناية تتضمن جزئيات أساسية في تأصيل التعايش من منظور إسلامي وتجارب حول التعايش وبحث معوقاته وآليات تعزيزه, والتأكيد على التعايش والتسامح وقبول الآخر, والدور المنوط بالعلماء والدعاة والإعلام ومؤسسات التعليم لتعزيز التعايش ونشر ثقافة التسامح والمحبة بين كافة الأطياف.
أتمنى أن تفعل توصيات هذا اللقاء الهام الذي جاء في وقته وأن تدخل حيز التنفيذ في أقرب فرصة من أجل وطن متلاحم ومتماسك.