أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: الخِصِّيصةُ الأولى خصيصةُ الدولة؛ وهي أنها مُلْكُ رحمة لا ملكُ جَبْريَّة، ويجري التعريجُ على مُلْك الجبرية في وقتٍ لاحق إنْ شاء الله تعالى؛ لأنَّ الضد يُظهر حُسْنَه الضدُّ؛ والكلامُ عن خصيصة القائد من تمام الكلام عن خصيصة الدولة؛ فهاتان خِصِّـيصتان.. والخصيصة الثالثة خصيصةُ الديـن؛ وهي السلفيةُ المـقيَّدةُ بما كان عليـه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم؛ إذ هذه هي السلفيةُ الْـمُعْتَدُّ بها.. والخصيصةُ الرابعة خصيصة الرقعة؛ وهي جزيرة العرب التي ميَّزها الله بخصائص فضلٍ شرعية.. والخصيصةُ الخامسة خِصِّيصة أهلِ الجزيرة بالجمع بين الدين السلفي والعروبة الأصيلة؛ وللعرب أيضاً خصائص فضل شرعية.
قال أبو عبدالرحمن: الخِصِّيصة للدولة السعودية أنها حقٌّ تاريخيٌّ للأمة؛ وأنَّ ما مضى لمحةٌ عن السلفية التي قامت عليها دولة آل سعود؛ وثمرتُها محاسنُ ملموسةً دينيّْاً دنيوياً في تاريخنا السعودي.. ولا مراء أنَّ التجزئةَ أصابت بلادَنا العربية والإسلامية من دولة واحدة إلى دويلات وأقطار.. ولا ريب أنَّ المـلك عبدالعزيز رحمه الله حقَّق أعظمَ وِحدةٍ وطنية في البلاد العربية تحقـقَ بها مفهومُ الدولـة الواحدة.. لقد قيل عن الأحداث السعيدة التي ابتدأت عام 1319هـ: إن عبدالعزيز استعاد حقه التـاريخي!!.. فهذا الحق التاريخي المنسوبُ إلى فردِ هو عبدالعزيـز بن عبدالرحمـن رحمهما الله: ينبغي تتبعُ جذورِه التاريخية؛ لنعرف حقيقتَه: أهو حقُّ فرد، أم حق أمةٍ ضائعة؟.. ومن جذور هذا الحق التاريخي أنَّ هـذه الجـزيرة ولا سيما منطقتُها الوسطى كانت مَسْـبَعةَ وشريعةَ غابِ.. أضعفُها نهبُ أقواها؛ فتحالف المحمدان: محمدُ بنُ عبدالوهاب، ومحمدُ بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان الحنفي جد آل سعود رحمهم الله تعالى؛ وكان ابنُ سعود أميرَ قريةٍ وحسب، ولكنَّ حِلْفَهما يطمح إلى آفاق يكون العرب والمسلمون فيها دولةً واحدة تُطَبِّق شرعَ ربِّ واحد سبحانه.. وفي سنة 1157هـ غصَّت الدرعية بفضلاء ليسوا من أهل البلد جاءوا يأخذون العلمَ عن الشيخ، وينْضمُّون إلى دولة محمد بن سعود؛ وكانوا في شظف من العيش؛ فكانوا بالليل يحترفون ويأخذون الأجرة، وفي النهار ينتظمون في حلقة الشيخ.. إلا أنهم المادةُ الخامُ للدولة الإسلامية الفريدة التي وحَّدت الجزيرة الممزَّقة.
قال أبو عبدالرحمن: لا أعلم بعد حكومة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وانتفاضةِ صلاح الدين الأيوبي: دولةً قامت على العصبية للدين مثلَ دولة آل سعود.. ولا يغلط عليَّ غالط فيحسب أنني أُلغي دِيْنِيَةَ الدولِ الإسلامية التي تعاقبت على شرقنا العربي والإسلامي.. كلا؛ إنما أقول: تلك الدول: إما ذاتُ عصبياتٍ قَبَلِية، ودعاوَى حقوق تاريخية للزعامة المجردة، وإما ذات عصبيات جنسية أممية هاضت على الشرق ثم اعتنقت الإسلام، وإما ذات عصبية إقليمية أو عرقية استقلت عن الخلافة الإسلامية حال ضعفها.. وكل هذه الدول حكمت بالإسلام؛ لأن المجتمعات مسلمة، ولم تُهزم النفوس بعدُ بجبروت علم ماديٍّ؛ فتتقبَّل بِيُسْرٍ الأيديولوجياتِ ودعاياتِ كيدِ الكافرين وتضليلَهم.. ولم تقم دولة آل سعود على جموع تأتي من الشرق أو الغرب باسم العصبية لمجد أسرة بدافع حمية قبلية، ولا باسم برنامج يُـمْـلا من الخارج، ويُرادُ تنفيذه في جزيرة العرب؛ وإنما انطلقت من قرية صغيرة جداً هي الدرعية، وليس لها دعايةٌ ألبتة غيرَ الاجتماعِ على رب واحد يُعْبدُ وَحْدَهُ، وشرعٍ واحد يُنفَّذ؛ وبحمد الله تَمَّ تجميع القوى والقدرات لعمارة الأرض وقد مزقها التفرق الإقليمي والقبلي..ومِنْ خصِّيْصَةِ دينِنا أنْ لا تُنْكَسُّ رايتُها في أيِّ ظرفٍ عصيبٍ؛ لأنَّ رَسْمَها الشهادتان.. ومن خِصِّيْصَةِ دولتِنا أنَّها لا تَمْنَحُ الْـهُوِيَّةَ السعودية (الجنسية) عَدُوَّاً لِلمِلَّةِ، بل تُؤَمِّنَه إنْ أراد سماعَ كلامِ الله، والاستماعَ إلى تبيانِ خَيْرِيَّتِه دنياً وآخرةً؛ ثم تُبَلِّغْهُ مَأمْنَهَ، وتَقْتَلُ مَنْ قَتلَه حدّْاً لا قصاصاً؛ لأن ذلك خفرٌ لِذِمَّةِ الله.. وإلى لقاءٍ في السبتِ القادِم إنْ شاء الله تعالى, والله المُستعانُ.