سلمان بن محمد العُمري
من المقولات الشائعة أن الصورة تغني عن ألف كلمة، ولا أبالغ إذا قلت إنها تغني عن ألف مقالة، بل وقل ألف كتاب من الكتب المتداولة والرائجة هذه الأيام، ولعلي أستشهد بصورة الطفل الفلسطيني محمد الدرة وما قدمته هذه الصورة للعالم عن الوحشية اليهودية الإسرائيلية، وغيرها من الصور التي تعبر عن القيم الأخلاقية والأعمال الإيجابية، أوعن المآسي والكوارث.
ومما لفت انتباهي صورة إيجابية لها دلالات كبيرة لرجل مسلم قام بالنزول إلى الأرض ليعدّل لزوجته رباط الحذاء-أعزكم الله- وهما في أحد الشوارع ولا أعلم من هو صاحب الصورة ولا أين التقطت ولكن المؤكد أنها لرجل مسلم وزوجته، ولو كانت هذه الصورة الأخلاقية لرجل من الغرب لتناقلتها وسائل الإعلام الغربية، ومواقع التواصل وتبعهم إعلامنا ومن يغردون بل ولربما رشحت لإحدى الجوائز المخصصة لأفضل صورة في العام 2016م.
إن هذه الصورة وإن رأى بعضهم فيها شيء من التكلّف فهي عكس ذلك بل هي صورة حقيقية لما عليه ديننا الإسلامي من خلقٌ كريم وما بين الزوجين من مودة ورحمة كيف لا ورسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- القائل والمطبق كما روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لقوله: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».
وفي سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع زوجاته؛ فعلى الرغم من انشغالاته الدائمة فإنه كان يخصف النعل؛ ويحلب الشاة، ويقُمُّ البيت، ويكون في خدمة أهله، في حين يرى بعضهم أن خدمة الرجل لأهل بيته من خوارم المروءة وإنها من سقطات الرجال وضعفهم.
هذا الذي فعله المسلم لو فعله غيره لرأيت خبره تتطاير به الركبان. إنه لا يريد لزوجته أن تنحني في الشارع وكرامتها مقدمة على كرامته. إنه الحب في أسمى معانيه؛ والنبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم وأشرف الخلق جاء عنه فيما روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «خرجنا إلى المدينة قادمين من خيبر، فرأيت النبي يُحَوِّي لها -أي: لصفية- وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب» [رواه البخاري].
وفي كل الأحوال نجد من قوله وفعله الشيء الكثير في حسن العشرة وكريم الخلق مع أهل بيته «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»، قال الإمام المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: قَوْلُهُ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ» أَيْ لِعِيَالِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ ، وَقِيلَ : لِأَزْوَاجِهِ وَأَقَارِبِهِ وَذَلِكَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى حُسْنِ الْخُلُقِ (وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) فَأَنَا خَيْرُكُمْ مُطْلَقًا، وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ عِشْرَةً لَهُمْ وَكَانَ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ.
وقد يقول قائل: إن ما فعله الرجل هو من الأخلاق وليس من الدين، ومن يقول هذا الأمر قاصر الفهم فالأخلاق جزء أصيل من الدين والمجاملات أو المروءات إذا أريد بها وجه الله وإدخال السرور على الآخرين فهي من الدين والدين المعاملة، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله من الأقوال والأعمال وكل عمل وقول يراد به وجه الله فهو من العبادات التي يتقرب بها إلى الله، والمعروف والخلق الكريم وحسن المعاملة هي مما أمرنا به في ديننا الإسلامي وأهل البيت أولى الناس بالمعروف وحسن الخلق.
أن من ينادون بكرامة المرأة وحسن معاشرتها من المسلمين وغيرهم ينسون أو يجهلون أجمل صورة لحسن التعامل مع الأزواج ألا وهي السيرة النبوية والأنموذج الأمثل للزوج الذي لا يحفظ حقوق الزوجة فحسب بل كان حريصاً على إدخال السرور على زوجاته والتغاضي عمّا يصدر عنهن من خطأ بشري يتسق وطبيعة البشر وكان -صلى الله عليه وسلم- يمنحهن الابتسامة والحنان ويمازحهن ويقضي بعض حوائجهن المنزلية ويناديهن بأطيب الأسماء ويكنيهن بما يحبن من الكنى -صلى الله عليه وسلم-.
ما أحوجنا إلى أن نتعلم المزيد من خلق حبيبنا وقدوتنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيرته وتعامله مع أهل بيته ومع الناس وحرصه على الخلق والتعامل الحسن ورحمته للعالمين، ومع تعلمها أهمية أن نطبقها وننشرها ونعرف بها بين أوساط المسلمين وغيرهم ليعرفوا أن ديننا دين الرحمة والإنسانية لا كما تصوره البعض.