فيصل خالد الخديدي
تعيش الذات المبدعة داخل التشكيلي الحقيقي حالات من القلق غير المرضي ولكنه قلق إبداعي يسكنه ويسيطر على جميع حواسه ويستدعي أحياناً بعضاً من الآثار الجسدية ويلامس شيئاً من القلق المرضي جسدياً، حتى يخرج من حالة مخاض إبداعه فالفنان يعيش مع القلق مراحل من قبل بداية الفكرة الأولى لإنتاج عمله والإحساس بها مروراً بالتفكير العميق والتخطيط المسبق والتخمير لفكرة العمل حتى تنضج وتخرج لحيز التنفيذ فتبدأ مرحلة جديدة من رحلة القلق الإبداعي التي يعيش فيها الفنان مع عمله في انصهار وإعادة تشكيل وبناء وسط ضجيج داخلي بين صوته الناقد الذي يحاول أن يؤطر ويمنطق كل خطواته مع عمله، وبين صوت الفنان بداخله الذي لا يعترف إلا بجنون اللحظة ولا يستحضر إلا لذة الإحساس والاستمتاع بالفن دون شيء آخر, ووسط هذا الضجيج والصراع بين صوتيه الداخلية (الناقد والفنان) يصل القلق لدى الفنان أوجه ليفضي به الأمر إلى خروج منجزه الإبداعي بحلول متزنة بين الصوتين الداخلية, فالصوت الناقد يأخذ دور الرقيب الذي لا يرضى بالمستويات الدنيا من صوته الآخر الفنان فيستحثه على رفعة المستوى في الأعمال والمحافظة على المستوى والجودة في المنجز, وهذا الصوت الناقد داخل الفنان الحقيقي هو الذي يميزه عن الأدعياء وعديمي الموهبة فهو القائد لحالة القلق الإبداعي داخل الفنان وعدم رضاه إلا عن المستويات العليا من الفنان ومنجزه.
ويستمر قلق المبدع مع التشكيلي حتى بعد إنجاز عمله ولكن بمستويات أخرى فبعد أن كان منبع هذا القلق داخليا أضاف إليه قلقا خارجيا وهو ردة الفعل الأولية لخروج العمل للمتلقين والنقاد والفنانين وحتى الاستشارات التي تسبق عرض الفنان لعمله وأثناء العمل، وهي مرحلة استشارة الفنان لخاصته عن جودة منجزه وهي مرحلة يسقط فيها البعض بتوسيع هذه الاستشارات أو استشارته لمن لا يستحق الاستشارة فيكون المستشار أقل من مستوى العمل وهنا تكمن الخطورة في وأد كثير من التجارب الجادة والمتجاوزة بسوء المشورة.
ترنيمة أخيرة: قلق التشكيلي على منجزه منذ ولادة فكرته حتى خروجه للنور يفرز الصادق من المدعي وينتج فنانين على قدر كبير من الثقة بأنفسهم ومنجزهم وفنهم.