د. محمد بن يحيى الفال
القارئ لسيرة الملك الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، يجد فيها كثيرًا من دروس الكفاح والشجاعة التي توضح أن الموحد استطاع وبعون من الله توحيد أغلب جزيرة العرب في دولة واحدة هي المملكة العربية السعودية، وتكمن معجزة التوحيد بأن التحديات التي واجهت الملك الموحد كانت جمة ومتعددة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي واجتماعي وخلاف ذلك من الأسباب التي تقف حجر عثرة في توحيد بلاد مترامية الأطراف كما هو حال المملكة. وكما منّ الله على الملك الموحد بنعمة الشجاعة والصبر ورفعة وسمو الهمة في جهوده التي أثمرت بتوفيق من المولي جلّت قدرته في قيام دولة تحكم بشرع الله على أراضٍ غالبية هي جزيرة العرب وأن يشرّفها بأن تكون في حماية وخدمة ورعاية مقدسات المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، فقد منّ الله عليه أيضًا بذرية من الملوك الذين أعقبوه في خدمة البلاد والعباد واستشعروا ثقل المهمة المناطة بهم في نقل البلاد المترامية الأطراف من مجرد مجتمع منكفئ على نفسه في صحرائه التي يعتز ويفخر بها إلى مجتمع منفتح على العالم، يؤمن بالعلم والتقدم بما لا يتعارض مع قيمته الإسلامية والعربية التي ستبقي مصدر عزته وتميزه.
وفي هذا الصدد المتعلق بمنجزات أبناء الموحد نرى وبوضوح ومنذ بدايات قيام الدولة سجلاً مميزًا للمنجزات التنموية التي خطط وأشرف عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وذلك إضافة لمسؤولياته السياسية المتعددة في الداخل والخارج. ولعل الشاهد على هذا السجل الذي لا يمكن للعين أن تتخطاه نراه في مدينة الرياض عاصمة بلادنا وفي كامل منطقتها التي تعد من أكبر مناطق المملكة إداريًا، التي تولي إمارتها لمدة تخطت الخمسين عامًا بثلاثة أعوام، وهي مدة زمنية قصيرة في تاريخ حياة المدن، واستطاع فيها وبعون من الله وتوفيقه أن ينقل العاصمة من مدينة تتكون من عدة أحياء يحيط بها سور إلى مدينة عالمية تضاهي مثيلاتها في العالم في كل نواحي التقدم والعصرنة التي تحتاجها العواصم الحديثة. خططه ورؤياه التي وضعها على الورق لبناء الرياض الحديثة، وفي مرحلة لاحقة من خلال الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض كانت للكثيرين صعبة التصديق والتطبيق، بيد أنها تحققت على أرض الواقع وأضحي الحلم حقيقة لم يكتف فقط بتحديث المدينة عمرانيًا بل تعداه ليشمل كافة متطلبات الحياة الحديثة بكل تعقيداتها ومتطلباتها التنموية من النواحي التعليمية والاقتصادية والصحية والاجتماعية. الرياض التي نراها اليوم لم تكن هي الرياض قبل خمسين عامًا خلت، هي اليوم لولوة ومعجزة الصحراء التي حلم بها سلمان الخير وبمشروعات عملاقة نفذت وأخرى تحت التنفيذ لعل أهمها مشروع النقل العام الذي سينقل حياة ساكني الرياض نقلة نوعية من المؤمل منها أن تجعل مشكلة التنقل بين أطرافها المتباعدة والمتعددة جزءًا من الماضي، وهي الأطراف التي لم يكن يدر في أكثر الناس خيالاً أنه بالإمكان للرياض أن تتمدد إليها.
ورؤي سلمان الخير التنموية لم تتوقف فقط عند العاصمة فقط بل شملت كل منطقة الرياض الإدارية وكانت نتيجة ذلك أنها أضحت أكبر منطقة إدارية في المملكة تتبعها محافظات من الفئة ألف، بمجموع 12 محافظة. ويعني حصول المحافظة على تصنيف «ألف» بأنها محافظة ذات كثافة سكانية تستدعي تقديم خدمات تنموية مكثفة لها أهميتها الاقتصادية.
وفي هذه الأيام المليئة بأمطار الخير والبركة قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بزيارة للمنطقة الشرقية وافتتح مشروعات تنموية عملاقة بمليارات الريالات وفي عديد من المجالات.
وتأتي زيارته للمنطقة الشرقية مع قرب حلول عامين منذ توليه مقاليد الحكم وبعد قيامه بافتتاح عديد من المشروعات التنموية الضخمة في كل من منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة، المدينتين اللتين تلقيان جُل اهتمامات قيادة بلادنا منذ توحيدها، وتأتي مشروعات الخير الجديدة التي تركز كثيرًا على قطاع الطاقة والتعدين وهما قطاعان تمتاز بهما المملكة ومازال هناك الكثير والكثير من المشروعات والفرص لتنميتهما لما فيه خير البلاد والعباد. ولقد أعلن معالي وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية المهندس خالد الفالح مؤخرًا بأن العمل قائم الآن للتنقيب عن خام اليورانيوم الذي يعد وقود المفاعلات النووية، ويمكن ربط إعلان الوزير بأنه استكمال لما قام به سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية من اتفاقيات مع الاتحاد الروسي في زيارته له، ومنها رغبة المملكة في إنشاء 16 محطة نووية للأغراض السلمية.
ويأتي اهتمام سلمان الخير بهذين القطاعين استكمالاً لرؤياه وخبرته المتراكمة في العمل التنموي التي نراها واضحة جلية في الأوامر السامية الكريمة التي أعقبت توليه مقاليد الحكم التي ألغت كل المجالس ذات العلاقة بالعملية التنموية في المملكة وذلك لتعجيل دورة حركة التنمية التي تحتاج لمناخ جاذب للاستثمارات سواء كانت بإدارة حكومية أو بإدارة القطاع الخاص. وبنظرته الثاقبة المبنية على تجارب ناجحة تم إنشاء مجلسين مختصين للدفع بالتنمية نحو أفق أرحب وجديد بتنمية مستدامة قادرة بتوفيق الله على توفير الوظائف والفرص للمواطنين، وبآليات مستدامة كذلك للصرف على المشروعات بعيدًا عن تذبذبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، فكان قراره -أيده الله- بإنشاء مجلس للشؤون السياسية والأمنية ومجلس آخر للشؤون الاقتصادية والتنمية، وهما وكما هو متفق عليه وجهان لعملة واحدة حيث إن كل عملية تنموية تحتاج للأمن كما صرح بذلك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز خلال زيارته للمنطقة الشرقية، فليس هناك تنمية من دون أمن وهو الأمر الذي يديره بمقدرة فائقة واحترافية سمو ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، فالتنمية تنمو وتزدهر في الظروف الآمنة التي نحمد الله على نعمة نراها متوافرة في بلادنا في خضم من المحن والفتن ابتليت بها الكثير من الدول في منطقتنا.
وحيث إن تنمية بلد بحجم بلادنا الذي يعد قارة مترامية الأطراف أمر يحتاج لاستراتيجية، فقد جاءت رؤية 2030 لتكون الصورة الأكبر والأشمل للمشروع التنموي الضخم الذي تسعى المملكة إلى تنفيذه، وهو المشروع الذي أطلق ركيزته الأساسية المتمثلة في برنامج التحول الوطني 2020 الذي انطلق هذا العام ومع بداية انطلاق الخطة الخمسية العاشرة للمملكة، ويهدف برنامج التحول الوطني إلى تفعيل حزمة كبيرة من المبادرات التي تهدف في المحصلة النهائية إلى إعادة تقنين آليات العمل الحكومي بطريقة تساير مقتضيات العصر وتصب في مصلحة المواطن والوطن.
عليه فإن الوصف الأدق للرؤية 2030 وعلاقاتها ببرنامج التحول الوطني 2020، هو أن الأخير بمنزلة الأساس أو القوة الدافعة التي ستعتمد عليها الرؤية الهادفة بأهمية وحتمية تفعيل آليات جديدة لعمل الاقتصاد الوطني بطرق حديثة ومبتكرة تلغي عنه اعتماده شبه الكلي على النفط، وهو الأمر الذي سعت إلى تنفيذه خطط التنمية الخمسية منذ انطلاقها في التسعينيات الهجرية، السبعينيات الميلادية من القرن المنصرم.
مشروعات التنمية التي يفتتحها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في المنطقة الشرقية ورأس الخير وقبلها مشروعات منطقة مكة المكرمة ومنطقة المدينة المنورة كلها بشائر مُفرحه على أن رؤية 2030 تتطلق بثبات وعزيمة وبأن القادم من الخير والرخاء في ظل الأمن والأمان سيشمل الجميع في بلد حباها المولي جلت قدرته بأن يكون حاضنًا وحاميًا لقبلة المسلمين بمكة المكرمة ومسجد نبيه عليه أفضل الصلوات والتسليم بالمدينة المنورة.