د. فهد صالح عبدالله السلطان
يواجه الباحثون عن العمل من الشباب والشابات تحديات كبيرة في هذه الفترة من الزمن بسبب حدة المنافسة وقلة الفرص الوظيفية الناتجة عن الظروف الاقتصادية المحلية والدولية. لكن نفس الظروف التي حدّت من فرص العمل خلقت بإرادة الله فرصاً وظيفية جديدة وبيئة عملية لم تكن لتتوفر لولا إرادة الله ثم ظهور هذه المستجدات في ميدان العمل وبيئته. نفس الظروف التي ساهمت في حدة المنافسة وشراستها هي ذاتها التي حدت من الاحتكار والهيمنة على التجارة وأوجدت فرصاً عملية جديدة. لم يعد ميدان العمل محتكراً على كبار المستثمرين والوكالات التجارية أو على الملاّك من العقاريين. وذلك لأن معظم الأعمال التجارية والمهنية الحديثة تتم في الفضاء رغم وجود البائع والمشتري على الأرض. لم يعد للجغرافيا الدور الأساسي في التجارة والعمل والبيع والشراء، وأصبح بإمكان المبادرين وشباب الأعمال القيام ببيع منتجاتهم وعرض خدماتهم في الفضاء الرحب الذي لا يملكه أحد. انحسر أيضاً دور المؤسسات فوق الأممية كمنظمة التجارة العالمية WTO في تطبيق أنظمتها وقوانينها وقيودها على حركة التجارة وانسياب السلع. وأصبح بإمكان المنتج ومقدم الخدمة والمهني أن يبيع ويشتري في فضاء لا يملكه أحد. تراجع دور الأنظمة الدولية والوطنية في تقييد حركة انتقال السلع والخدمات. لم يعد المهني الذي يعيش في بومبي الهند على سبيل المثال بحاجة للحصول على فيزة للدخول لدول الخليج لبيع خدماته المهنية في كثير من الأعمال (الناعمة) فهو في حل من الانتقال الحسي وبإمكانه الآن العمل عن بعد وتقديم خدماته المهنية دون أن تقيده الأنظمة وظروف الانتقال والحركة.
العالم يتجه بقوة إلى العامل الحر Freelancer. فهو صاحب العمل والعامل في ذات الوقت. وهو حر لا يلزمه العمل لدى مؤسسة أو شركة تجارية أو التواجد في موقع جغرافي معين أو حيثما توجد فرص العمل أو يتركز الطلب، بل يمكنه العمل بمفرده وفي أي مكان وزمان وبدون أي ترخيص. المهم أن يكون لديه مهنة أو مهارة فكرية أو مهنية. ومن ثم يمكنه العمل من أي مكان يقطن فيه وفي أي وقت يرغب العمل فيه.
حالياً، معظم الأعمال الفنية كأعمال التصاميم والطباعة والمراجعة القانونية والترجمة والدعاية والإعلان وغيرها الكثير تتم عن بعد وعن طريق العامل الحر بصرف النظر عن جنسيته وموقعه الجغرافي.
هذا هو زمن الاقتصاد الخلاق Creative economy أو كما يحلو للبعض تسميته اقتصاد العربة Gig economy.
بقي نقطة مهمة لا بد لنا جميعاً أن نتذكرها وهي أن ميدان العمل هذا يحتاج إلى ترخيص عالمي.. ترخيص لا تمنحه جهة حكومية ولا تؤخره بيروقراطية إدارية.. هو تأهيل يمنحه الإنسان لنفسه في الوقت الذي يريد وفي المهارة التي يملكها وهو ترخيص عالمي يتعدى مجاله حدود الدولة التي يوجد فيها ليشمل العالم كله. هذا الترخيص العالمي هو « التميز». عندما تتوفر لدى الشاب أو الشابة مهارة معينة ستتمكّن من العمل في أي مكان في العالم وهو أو هي في منزلها ولن تحتاج إلى واسطة أو شفاعة أو وظيفة أو ترخيص عمل!
وحدهم المتميّزون سيحصدون قصب السبق في هذا الميدان. فهل يعي شبابنا متطلبات رخصة السباق في عصر الاقتصاد الخلاَّق.
تحقيق ذلك يتطلب جهوداً مشتركة من الأجهزة الحكومية المعنية ومن المجتمع ككل.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،،