فضل بن سعد البوعينين
لن يتوقف التغيير في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية طالما بقيت أدوات معالجة ملف البطالة على وضعها دون تغيير. استمرار الوزارة في اعتمادها برامج التوطين الحالية ستوصلها إلى نفس النتائج في كل محاولة تهدف من خلالها رفع نسبة السعوديين في القطاع الخاص؛ وخلق مزيد من الوظائف الجاذبة. أجزم أن الحكومة في حاجة إلى مراجعة إستراتيجية التوطين ونقدها من الداخل لمعرفة مكامن الخلل التي تستدعي التدخل والمعالجة؛ وفي مقدمها برنامج نطاقات الذي تسبب في زيادة حجم التوظيف الوهمي، وإغراق السوق بالعمالة الأجنبية. تصحيح البرنامج، من خلال تطبيق نطاقات الموزون قد يسهم في معالجة جانب من المشكلة الأزلية؛ إلا أنه لن يقضي عليها بمعزل عن برامج الحكومة الشمولية؛ ومخرجات القطاع الخاص.
على الرغم من جهود الحكومة المضنية في جانبي التوطين وخلق الوظائف وسن التشريعات وإنشاء الهيئات المختصة؛ وفي مقدمها هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة؛ إلا أن نسب البطالة في ازدياد لأسباب متداخلة ربما ارتبط بعضها بالاقتصاد الكلي؛ وضعف القطاع الخاص؛ والمخرجات الحكومية ما يستوجب النظر إلى المشكلة من زواياها المختلفة وبرؤية بانورامية شاملة تحقق هدف التشخيص ثم العلاج الصحيح.
نشرت جريدتنا «الجزيرة»؛ الأسبوع الماضي؛ تحقيقاً حول إيقاف الاستقدام المؤقت وقدرته على تصحيح اختلال سوق العمل ودعم التوطين؛ وأحسب أن إيقاف الاستقدام مؤقتاً يمكن أن يكون أداة من أدوات التشخيص والمعالجة في آن. فمن جانب يحد الإيقاف المؤقت من تدفق العمالة الأجنبية التي تأتي بمهن متدنية وتستغل في أداء أعمال متخصصة؛ ويجفّف السوق؛ ويساعد على وضوح الرؤية للجهات الحكومية والقطاع الخاص على السيان. في الوقت الذي يمكن أن يسهم ذلك في علاج مشكلة التوطين التي تجد في استمرارية الاستقدام المنافس الأكبر لها.
منذ أن بدأ برنامج «نطاقات» وغالبية المختصين يتحدثون عن أهمية تقنين الاستقدام والحد منه؛ ثم ارتفع سقف المطالب ليصل إلى الإيقاف التام وإعادة استثمار العمالة الموجودة في السوق وإعادة توزيعها على طالبي الاستقدام من خلال قاعدة بيانات وبرامج إلكترونية متخصصة. استمر برنامج نطاقات بالتوازي مع فتح باب الاستقدام على مصراعيه؛ ما نتج عنه تمكين العمالة الأجنبية وتقليص فرص السعوديين. أثبتت نتائج مسح القوى العاملة خلال الربع الثالث من العام الجاري عن انخفاض نسبة السعودة إلى 40.6 % وأن الاقتصاد نجح في خلق 690 ألف وظيفة ذهب 97 في المائة منها للأجانب؛ وهو أمر سيستمر ما لم يغلق صنبور الاستقدام ولو مؤقتاً. قطعاً سينتج عن وقف الاستقدام فجوة مؤثِّرة خلال سنتي التطبيق الأولى غير أن الحاجة لشغل تلك الوظائف ستسهم في ردم الفجوة سريعاً مثلما حدث في قطاع الاتصالات. التعايش مع الأزمة لسنتين خلال مرحلة العلاج أفضل بكثير من استدامتها.
طالب المشاركون في تحقيق جريدة الجزيرة بـ «تبني تصنيف وطني للمهن والأعمال التي يولدها الاقتصاد سنوياً، وتوطينها على أساس الدورات المستندية أو على مستوى دورة العمل، خاصة في شركات التأمين والمالية والتجارة والصناعة والاستثمار المتنوّع». وهي مطالبات مهمة تستحق التنفيذ العاجل لاختصار مدة المعالجة والبعد عن التجارب المؤلمة التي يتم تطبيقها تباعاً في برامج السعودة. إضافة إلى ذلك فبرامج الإحلال من البرامج المهمة التي تحتاج من وزارة العمل الاهتمام والتركيز. ربط عملية الإحلال بمخرجات التعليم العالي يمكن أن يسهم في معالجة البطالة؛ وتحقيق الأمان المهني. يسيطر الأجانب على ما نسبته 70 في المائة من وظائف الصحة؛ الطب والصيدلة؛ إضافة إلى الهندسة. زيادة حجم الخريجين في تلك التخصصات المهم يسهم في معالجة المشكلة.
لن تنجح زارة العمل في خفض نسبة البطالة وتمكين السعوديين من الوظائف المشغولة بأجانب ما لم يتم إغلاق باب الاستقدام مؤقتاً؛ وتجفيف السوق من تخمة الأيدي العاملة المسيطرة على القطاعات المهنية؛ والوظائف الجاذبة؛ والمنشآت الصغيرة التي تُدار بنظام التستر. معالجة ملف الاستقدام؛ وتضخم العمالة الأجنبية في السوق؛ لن يساعد في خلق الوظائف والتوطين فحسب؛ بل سيسهم في تحقيق الأمان المهني الذي يهدّد استقرار الاقتصاد الوطني وقدرة مكوناته على العمل والإنتاج.
«الانكشاف المهني» من أهم المخاطر المهدّدة للاقتصاد والأمن الوطني. فالعمالة الأجنبية تسيطر على كافة المهن التي يعتمد عليها الاقتصاد؛ ما يعني ارتفاع حجم المخاطر بسبب انعدام «الأمن المهني» الذي يفترض أن يكون نتاجاً مباشراً لتوظيف السعوديين من الجنسين في القطاعات التي لا يمكن للاقتصاد النهوض والعمل دونها. يهيمن غير السعوديين على وظائف أكثر القطاعات الحيوية؛ التي لا يمكن العيش؛ أو إدارة الاقتصاد دونها؛ ومنها الصحة؛ التصنيع؛ الزراعة؛ تجارة الجملة؛ النقل؛ التشييد البناء؛ والسياحة. إضافة إلى ذلك؛ يشكّل ارتباط بعض القطاعات الاقتصادية بجنسيات محددة خطراً أكبر؛ وانكشافاً يستوجب التدخل السريع. الانسحاب المفاجئ لتلك القوى العاملة سيتسبب دون شك بآثار مدمرة للاقتصاد والمجتمع على حد السواء. هذا يقودنا إلى أهمية الوظائف المشغولة بالأجانب؛ بغض النظر عن نوعيتها؛ فحتى المهن البسيطة يمكن أن تكون من الوظائف الإستراتيجية المحققة للأمن المهني.
ستستمر أزمة البطالة؛ وتقلّص الفرص الوظيفية؛ وسيطرة الأجانب على غالبية الوظائف التي يخلقها الاقتصاد طالما ظل باب الاستقدام مفتوحاً على مصراعيه. توفر العمالة الرخيصة من أشد معوقات السعودة؛ ومهما رفعت الوزارة من تكلفة الاستقدام فلن يسهم ذلك في الحد من تفضيل القطاع الخاص للأجنبي على السعودي في كثير من الوظائف؛ ما يجعلنا في أمس الحاجة لتجربة وقف الاستقدام مؤقتاً؛ فلعله يكون العلاج الغائب عن أعيننا لعقود.