عبدالعزيز السماري
لعلني أحد الذين يؤمنون أن العالِم (بكسر اللام) مصطلح محدد، ولا يعني في العصر الراهن إدراك ومعرفة الأحكام الشرعية، أو الوعظ، أو إصدار الفتاوى، أو تفسير الأحلام على أسس دينية، فالمصطلح الأنسب لهؤلاء، هو الفقيه، أو المفسر، أو المجتهد، أو الإمام المتخصص في أحكام الدين، أو العارف بأحكام الدين.
وذلك لأن العلم هو تلك المنظومة المعرفية التي تُقدم على شكل نتائج أو تفسيرات أو تنبؤات، لكنها قابلة للفحص والاختبار، وقد كان لابن الهيثم السبق الأهم في تاريخ العلم الحديث، وذلك عندما وضع أسس البصريات الفيزيائية الحديثة بعد أن غير جذرياً طريقة فهم الضوء ورؤية الأشياء، وكانت أبحاثه بمنزلة المقدمة في المنهج العلمي التجريبي، وقد لقب بالعالم الأول.
لذلك ليس دقيقاً أن يُطلق على الفقيه أو شيخ الدين صفة العالِم، (scientist)، وذلك لأنه لا يصدر أو ينتج علماً، ولكنه ملم بالعقيدة الدينية وعارف بأحكام الفقه، ودليل ذلك أن المسلمين الأوائل لم يستخدموا صفة العالِم لتعريف المجتهدين في الدين، ولكن وصفوهم بالفقهاء، ويُقال طبقات الفقهاء، وليس طبقات العلماء، ويدخل في ذلك خطأ منح درجة (PH.D) للمتخرجين من المدارس الدينية، وهي التي تعني على وجه التحديد درجة في الفلسفة أو التفكير الفلسفي القائم على المنهج التجريبي.
عادة يتم منح Ph.D.›s أو درجة دكتور في الفلسفة لمجموعة واسعة من البرامج في العلوم (على سبيل المثال، علوم الفضاء، وعلوم الأحياء، والفيزياء، والرياضيات، وما إلى ذلك)، والهندسة، والعلوم الإنسانية، والدكتوراه هي الدرجة النهائية في تلك المجالات، وتعني نجاحاً أولياً للباحث في تقديم دراسة علمية أولية خاضعة للتجريب، ولا تعني على الإطلاق وصوله لمرحلة الكفاءة العلمية في شؤون العلم ومجالات الحياة، وغالباً ما تكون تلك الدرجة شرطاً فقط للعمل كأستاذ جامعي وباحث، في العديد من المجالات الطبيعية.
من الخطأ أن يتم منح درجة دكتور في الفلسفة لباحث في الحيض أو التيمم أو في الوضوء أو المسح على الخفين، وذلك لأن هذه المواضيع تدخل في المقدس الذي نزل بالوحي، ولا تخضع لمعايير العلم أو العقل البشري لفحص صحتها أو تطبيق مناهج التجريب البشري عليها، والسبب أنه لا يمكن أن يقبل دينياً أن يقدم أحدهم بحثاً علمياً في إثبات أن التيمم قادر على تطهير الجسد من النجاسة أو العكس، والسبب أنها تدخل في حكم المسلمات التي لا تخضع للمنهج التجريبي القائم على احتمالية الخطأ أو إثبات العكس.
ما يحدث في مجتمعاتنا العربية هو خلط عظيم بين الجهالة والعلم، ثمرته اختزال عجيب للإنجاز في الحصول على درجة علمية في بحث علمي، ثم يتم الترويج له ليتبوأ أعلى المناصب، بينما هي تعني فقط رخصة للعمل كأستاذ جامعي في مجال الأبحاث العلمية، أو النجاح في تقديم كتيب في المسح على الخفين، ثم اعتلاء المنابر كعالم يحمل درجة البحث العلمي الفلسفي، ويظهر مركب الجهل في تلك المقدمات مثل فضيلة الشيخ العلامة الدكتور فلان، ويدخل هذا في مجال التسويق عند العامة، ويؤثر كثيراً على مكانة العالم الباحث في تخصص نادر، والقادر على إصدار أبحاث علمية مؤثرة في تطور الإنسان على وجه الأرض.
هذه دعوة لإعادة الاعتبار للعلماء في الجامعات السعودية، والذين يعملون بصمت في معاملهم، لكنهم يثرون العلم بإصدار الأبحاث العلمية المتوالية، ودعوة أيضاً لرفع ميزانيات البحث العلمي في شؤون الحياة المختلفة، فالعلماء الحقيقيون يعانون الآن كثيراً في الجامعات السعودية بعد إلغاء البدلات وعدم تصحيح كوادرهم، وفي ذلك خسارة كبيرة لرصيد المستقبل العلمي في الوطن، بينما ينعم غيرهم من أصحاب المقدمات بالإعانات المالية.. والله المستعان.