د. فوزية البكر
يتصدّر السعوديون العالم في مجال استخدام توتير والفيس بوك واليوتيوب، والآن بلا شك وسائط أخرى مثل الانستجرام والسناب تشات والواتس اب، وهذا يعني أننا فجاءة وفي مجتمع تقليدي لا يسمح إلاّ بالقليل من الحريات الفردية ويضع أثقالاً (حديدية) اجتماعية وثقافية على أمكانية التعبير الفردي، نجد أنفسنا (ودون تدريب مسبق) داخل حديقة غنّاء من الأفكار والتصريحات والفيديوهات الواقعية (جداً) بما يغري المرء رجلاً كان أو امرأة، لقضاء ساعات كل يوم أمام كمبيوتره أو يفرفر بأصابعه على جواله، حتى أنني متأكدة أنّ هناك مرضاً اجتماعياً واضحاً للعيان اسمه، حمل الجوال بيد ولقاء الناس بيد أخرى، بحيث لم يَعُد الكثيرون يتحملون فكرة غياب هذا (الحبيب) المطواع عن أعينهم للحظة، وأصبح فقده أو فراغ بطاريته أو تهشم وجهه الجميل، قضية القضايا التي يفرغ المرء نفسه لحلها أولاً قبل كل قضية وطنية أو أُسرية.
كما تشكّلت مشكلات كثيرة نتيجة هذا الفضاء اللامحدود، مثل صعوبة السير عبر طرقاته الوعرة أحياناً بسلام وإساءة قطع أزهاره أو أشواكه بما قد يدمي الفرد أو المحيط أُسرة أو مجتمعاً، كما أصبح من السهل الوقوع في الخطأ نتيجة سرعة الاستجابة لإعادة تغريدة أو تعليق ما أو فيديو قصير لحدث عام أو خاص. تداخلت الأمور ولم يَعُد واضحاً للفرد أو للجماعة ماذا يجب أن نفعل وكيف نتصرف، وهكذا اضطرت الدولة لإصدار فرماناتها (العسكرية) ضد من يتسرّع في نشر ما لا يعرفه جيداً أو يمثل إساءة للآخرين أو للوطن أو لمنشاة أو .. أو.
هنا تبرز القضايا القانونية التي تزداد تعقيداً مع زيادة تداخل وسائل التواصل في حياتنا، وبات على المؤسسات الاجتماعية، أُسرة ومدرسة ومسجداً ونادياً، أن يهيئوا الأجيال الحالية ممن تتداخل حياتها ومصالحها مع الإنترنت ولا تستطيع لتركه سبيلاً، بحيث يتمكنون من فهم حجم تعقيد ظاهرة استخدام هذه الوسائط التكنلوجية، مع إدراك ماذا سيترتب على استخدامها قانونياً واجتماعياً وثقافياً.
والأمر لم يَعُد قصراً على البُعد القانوني، إذ إن البُعد الاجتماعي لاستخدام وسائط التواصل الاجتماعي، آخذ في التزايد أكثر وأكثر مما نتصور، فأيُّ فتاة يتقدم لها خطيب اليوم لا تضطر للسؤال عنه، أو أن يدور والدها على من يعرفه سائلاً فلاناً وعلاناً : العروس هي من تقوم بعملية بحث بسيطة في الفيس بوك أو جوجل لتعرف ماذا يفعل ومن هم أصدقاؤه وأين يقضي عطلاته الصيفية، وموقفه من كافة الظواهر المحيطة سياسية أو بيئة أو شخصية.
لقد وصل الأمر اليوم إلى أن أصدرت الكثير من الثانويات في الولايات المتحدة (دليل) عمل لطلابها، لاستخدام الإنترنت بكل أشكاله والقاعدة العريضة التي تؤكد عليها هي الآتي: لا تضع على النت أية معلومات شخصية لا ترغب أن يعرف عنها أبوك أو مدير ثانويتك، إذ يعني هذا أنها قد تستخدم ضدك بشكل ما يوماً ما.
الشركات هي الأخرى لا تتردد اليوم في استخدام نتائج البحث الإلكتروني في اتخاذ قرارات التوظيف، فما إن يتقدم لها أي أحد للوظيفة إلا ويتم البحث في تاريخه الإلكتروني، حتى تتأكد الشركة أن سلوكه ووجهات نظره السياسية والاجتماعية متوافقة مع سياساتها العامة.
هذا عن الزواج أو العمل فما بالك بالدول والحكومات وما تفعله لتقصي أثر من لا ترضى عنه ؟
الرسالة هنا هي : ضرورة التوعية بسهولة الانزلاق وراء ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي، لكن لعناتها حين تصب على المرء، لا تقف عند حدود رسالة شخصية لا يعرف عنها أحد كما كنا في الماضي : وسائل التواصل بتنوعها هي تلفزيون عام مغروس في أكبر ساحات المدينة التي تعيش فيها، وعليك أن تعي أن سكان المعمورة يراقبون أنفاسك وأنت في بيتك، فإما أن تعد أنفاسك قبل أن تخرجها إذا استخدمت هذه الوسائل، أو أن تقرر أن تقنِّن استخدامها حتى لا تفقد نفسك. عشتم سالمين.