م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1.تداول مغردو تويتر الأسبوع الماضي مصطلح «العلمانية الناعمة».. لا أدري من أين أتى هذا الوصف أو من هو أول من ابتدعه.. لكني قرأته من تغريدة للدكتور أحمد بن راشد بن سعيد في سياق دفاعه عن علمانية تركيا الناعمة مقابل العلمانية الشرسة في أماكن أخرى من العالم.. الذي لفت نظري هو وصف العلمانية بالناعمة!.. يا لها من تخريجة رائعة.. فيها تأطير جديد للعلمانية وتقسيمها إلى جزئين: ناعمة ومتوحشة؛ والقبول بالناعم من العلمانية.
2.إن هذا الإطار يؤسس لحقبة جديدة من حياة المجتمع السعودي.. وفق قاعدة: «وداوني بالتي كانت هي الداء».. لم لا؛ أليس الدواء مستخرجاً من الداء؟.. أليست التطعيمات الطبية فيروس من ذات الداء المراد مكافحته؟.. ثم انظر إلى المناصحة.. أليست المناصحة في أصلها محاولة نقض لفكر ديني متشدد بفكر ديني متسامح؟.. واليوم هل نحن أمام مرحلة جديدة يتم فيها قبول العلمانية من جيل الصحوة.. فالدعوة إلى علمانية الدولة لن يتم قبولها إذا أتت من الليبراليين.. بل يجب أن تأتي من الإسلاميين ذاتهم الذين هم المحاربون التاريخيون ضد علمانية الدولة.. هل تذكرون ما حصل في أوروبا إبان العصور الوسطى؟.. فالذين ابتدعوا علمانية الدولة هم كهان المسيحية الذين وجدوا في العلمانية الحل الأمثل في ألا تهيمن تعاليم مذهب ديني واحد على الدولة في ظل وجود مذاهب أخرى.. وإبعاد حكم الدولة وإدارة شؤونها عن مناطق المنافسة والخصومات المذهبية التي تولد ثارات تزداد سعيراً كلما تقدم الزمان.. وانطلقوا في ذلك من قاعدة: (الدين لله والوطن للجميع).
3.المجتمع السعودي في غالبيته متدين والإسلام هو المكون الأساسي لثقافته.. وقد تم تأطير العلمانية في خياله على أنها نقيض الدين.. ولنقْضِ هذا التصور فلا بد من رجل دين.. فالخلافات التي مصدرها اختلاف التأويل الديني لن يقوم بتسويتها إلا رجال الدين ذاتهم.. وأي قول من غيرهم لن يقبل.. وفي حالة صدور هذا القول منهم فسيعد تعديلاً للتأويل بناءً على تعديل للتصور وتحقيقاً لقاعدة: (الحكم على الشيء فرع من تصوره).
سيقول البعض إن هذا كلام غير مقبول.. والبعض الآخر سوف يرى فيه رأياً جديراً بالاهتمام.. لكن في كل الأحوال يجب علينا أن نحتفل بتقبُّل جيل الصحوة لمصطلح «العلمانية الناعمة» بقبولهم لنموذج تركيا.. فهي لا شك خطوة للأمام..