د.دلال بنت مخلد الحربي
يتعامل المؤرِّخ مع الأحداث باعتبارها وقائع تمت في فترة ماضية، يعقد حولها مقارنات ويبني أحكاماً، ويقدِّم حقيقة، ويستخلص عبراً.
وأدق مدونات التاريخ هي الصادرة عن المشاهدة (الفعلية) عندما يكون المؤرِّخ ضمن المادة التي رصدها، وأرَّخها واصفاً كل ما يتعلق بها ومتحدثاً عن كل من شارك فيها، ولا نستطيع أن نغفل هنا أن فحص مادة الحدث يكشف مقدار صدقيتها أو بعدها عن الحقيقة بالمقارنة مع مدونات أخرى، واضعين في اعتبارنا الميول والأهواء والمزاجية التي تتحكَّم بالبشر، ولكن المؤرِّخ المجرب المتمرس سيخرج بالرؤية الصادقة بعد المقارنات والمقابلات.
وحدث اليوم سيكون عقب عقود تاريخاً، وإذا كان التاريخ المدون حتى منتصف القرن الماضي أو أقرب من ذلك أيضاً يعتمد على المكتوب، أو جزئياً على المسجل سماعياً أو في أفلام وثائقية، فإن الحدث المعاصر يشكل تسجيله نقلة لكثرة المصادر من وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب وأخبار القنوات، وما تحمله الصحف التقليدية والإلكترونية، وقد يغيب جانب المصداقية في كثير منها لاعتمادها على الأهواء والمصالح.
ولكن تبقى الحقيقة جلية عند المؤرِّخ الأمين القادر على الفحص الذي يكشف الزيف، ويظهر الحقائق المجافية لأكاذيب الأدعياء، ويبرز المزاجية والشخصنة النابعة عن تعظيم الذات وضعف الأمانة المحملة على كاهل من حملها مسؤولاً تفترض فيه العدالة والصدق، فيلغيها نظراً لخضوعه لعواطفه ومشاعره الانتقامية أو لتغلّب الميول والأهواء على سلوكه فيحكم اعتماداً عليهما متناسياً أنه يجب أن يعتمد على الأمانة التي تقوده إلى المعيارية التي حاد عنها ونسيها متعمداً، ومزهواً بسلطته ونفوذه، ومعتقداً أن المسؤولية تعني الحكم بدون تقييم ولا تحتاج إليه.
وهو في صنعه هذا لا يعرف أن التاريخ لا يرحم ولن يرحم وسيقدّمه على صورته التي أخفاها على معاصريه مسقطاً قناع الزيف عن وجهه المتلوِّن، ومبرزاً سوء اختياره وإعطائه حقاً ليس هو أهلاً له.
فلمن نسي حكم التاريخ نقول:
سيكتبك التاريخ في صفحاته السوداء مثالاً للسيرة السيئة.