د. محمد عبدالله الخازم
كتب أستاذ الصحافة الكبير خالد المالك عدة مقالات عن واقع الصحافة، وهو أفضل من يتحدث ويكتب في هذا الجانب، عطفاً على خبراته وموقعه في قمة هرم الصحافة السعودية. لست في موقع الحديث -بحكم عدم التخصص- عن التفاصيل الفنية المتعلقة بالعمل الصحافي، لكنني أعلق حول بعض النقاط من واقع المشاهدة.
المؤسسات الصحفية بالمملكة، ما زالت المصدر الرئيس للمادة الإعلامية كمؤسسات ذات كيانات واضحة. واستخدم مصطلح المؤسسات الإعلامية لأنني أعني المادة المنتجة سواء نشرت ورقياً أم رقمياً. وحتى وسائل الإعلام الجديدة والأخرى التي يرى البعض أنها تسحب البساط من الصحافة الورقية تبقى غير منتجة للمادة الإعلامية الموثوقة، فالصحف الإلكترونية مجرد خبرية تأخذ الخبر مجاناً من موقع الصحيفة الورقية وتعيد نشره أو من موقع وكالة الأنباء. بمعنى آخر هي لا تحتاج جيوشاً من الصحفيين والمحررين والمحللين وكتاب الرأي ولا تتحمل نفس المسؤولية الأولى أمام الجهات المعنية لأن عملها مجرد إعادة نشر ما تنتجه المؤسسات الإعلامية الصحفية. وفي مواقع التواصل الاجتماعي وحتى كثير من البرامج التلفزيونية يعاد بشكل كبير نقاش ما تنتجه الصحف. إذاً: قيمة المؤسسات الصحفية السعودية ستبقى قائمة كونها المصنع الأول للمادة الإعلامية.
إحدى الإشكاليات هي عدم قدرة الصحف على الحفاظ على حقوق الملكية والتأليف والنشر، حيث موادها يعاد نشرها (وفي حالات تتسرب قبل النشر) من قبل مواقع ووسائل أخرى. ربما يكون السبب في ذلك هو التنافس بين الصحف، حيث إن كل صحيفة تتردد في متابعة منتهكي حقوقها أو حجب موادها أو إتاحة موادها الرقمية أو جزء منها، مثل ما تفعل الصحف العالمية. تتردد لأن الآخرين لن يفعلوا ذلك وستجد أنها تخسر مساحة قراء ولا تكسب اشتراكات كافية. لا أدري ما مدى إمكانية هيئة الصحفيين -وأتصورها هيئة الصحافة بمفهومها الشامل- مناقشة هذا الموضوع بجدية للوصول لاتفاق على نسبة المحتوى الذي تتيحه كل صحيفة مجاناً وما يتاح عبر اشتراكات من قبل القراء؟ إضافة إلى إيجاد آلية مشتركة لمتابعة منتهكي حقوق النشر والحفاظ على حقوق الصحف.
المؤسسات الصحفية تعمل وتنفق على مادة إعلامية ضخمة تريد بيعها ورقياً -باعتبار التوزيع هو محفز الإعلان- وفي نفس الوقت تتيحها رقمياً بالمجان؛ من الطبيعي أن يختار الناس المجان. ليس الهدف هنا إجبار الناس للعودة للورق ولكنه غير منطقي أن يتاح كل ذلك مجاناً، بما فيه المواد الأرشيفية والصور وغير ذلك.
الجانب الآخر الذي تحتاج الصحف التفكير فيه بشكل أكبر يتمثل في تنويع منتجاتها، كمؤسسات إعلامية ومؤسسات نشر ومؤسسات فكر وأبحاث. للأسف؛ رغم ضخامة البنى التحتية والمادة الإعلامية والأرشيفية التي تحويها الصحف فإنها مترددة في الدخول في مشاريع ثقافية / فكرية/ إعلامية أخرى مساندة للعمل الصحفي، وهناك تفاصيل وأفكار كثيرة تقال في هذا الجانب.