محمد سليمان العنقري
مع انعقاد القمة الخليجية بمملكة البحرين الشقيقة ينتظر أن تعلن المبادرات باتجاه اتحاد خليجي بديلاً للمسمى والهيكل الحالي لمجلس التعاون الخليجي، حيث تعقد الآمال على اتخاذ قرارات تصب باتجاه تعزيز الروابط الاقتصادية الخليجية بما يأخذ شكل الاتحاد مستقبلاً كما هو الحال بمنظومة اتحادات عالمية مشابهة خصوصاً الأوروبي، والدعوات للاتحاد ليست على المستوى الشعبي، إنما تم الحديث عنها رسمياً بقمم سابقة، مما يعني أن الأرضية مهيأة لاتخاذ خطوات تعزز الاتجاه نحو كيان اتحادي يُشكّل بحجمه الاقتصادي مرتبة متقدمة ضمن نادي العشرة الكبار عالمياً من حيث حجم الناتج الإجمالي.
فبعد عقود من التنمية بدول الخليج مع وضع هدف ثابت تمثَّل بتنويع مصادر الدخل، لم تصل النتائج للمستوى المطلوب بالرغم من توسع اقتصادياتها لكن ذلك بقي مرتبطاً باستمرار الإنفاق العام لحكومات دول الخليج وتأثيره الكبير بالنمو الاقتصادي واعتماد بنسبة كبيرة للقطاع الخاص على المشاريع الحكومية إضافة لاستمرار نمو واردات دول الخليج من السلع والخدمات من العالم لما يصل لحوالي 80% من احتياجاتها بالرغم من تعاظم الفرص للإنتاج المحلي نتيجة القوة الشرائية باقتصاديات دول الخليج، مما يعني أن الوقت قد حان للتحول الخليجي باتجاه الإنتاج بدول المجلس، وتقليص الواردات من العالم مع هيكلة الاقتصاديات لتعزيز استقرار نموها، ومواجهة تقلبات أسعار النفط التي ما زالت تمثّل الإيراد الأكبر لدول الخليج عموماً.
كما أن الأبعاد الدولية وتطوراتها تحتم الاتجاه للاتحاد وتسريع الخطوات نحو سوق خليجية مشتركة وتوحيد الأنظمة الاقتصادية العامة بدول الخليج وإزالة العراقيل أمام استقطاب الاستثمارات، فالعالم اليوم يشهد تحولات ضخمة، فمواجهة التحديات تنبع من إيجاد الحلول التكاملية لزيادة تشغيل المواطنين وتقليص البطالة لمستويات تقل عن 3% لتكون دول الخليج خالية من البطالة إذ لا يعقل أن يعمل حوالي 20 مليون وافد فيها ويوجد بطالة لمواطني الخليج مع أهمية رفع حجم الصناعات الخليجية من الأجهزة الإلكترونية والكهربائية والتحالف بصناعات كالسيارات وحتى الطائرات كمشاريع مستقبلية بخلاف مشاريع الطاقة والأمن الغذائي، وأيضاً تطوير قطاع الخدمات والتعليم والصحة لتكون لدول الخليج معايير خاصة تنافس بها عالمياً كي تنهض بالكوادر البشرية، ليكونوا هم الداعم للتنمية الاقتصادية المستدامة.
كما أن التحديات الدولية باتت كبيرة جداً، ليس فقط بالأوضاع السياسية العالمية والجيوسياسية بالمنطقة، بل اقتصادياً توجد تحديات كبيرة تتطلب جهوداً موحدة خليجياً لمواجهتها، فأميركا لا يمكن التوقع باتجاهاتها الاقتصادية القادمة، ومع زيادة احتياجات اقتصاديات الخليج من الإنفاق والاستثمار فلا يمكن إبقاء الخيار الاستثماري بأميركا، أو توقع الربط مع الدولار على أنه سيبقى صالحاً دائماً لعشرات السنين القادمة أنه خيار سهل ومضمون فقد يكون الربط وتثبيت سعر الصرف صالحاً لخمس أو عشر سنوات قادمة، لكنه لن يبقى كذلك لزمن أطول، فالدولار قيمه تتغير نحو الانخفاض، فدولار الوقت الحالي يعادل «4 سنتات» من دولار عام 1935م ووضعه المستقبلي يشير لمزيد من التغير بقيمته انخفاضاً، فديون أميركا السيادية تفوق 19 تريليون دولار وارتفعت قرابة 100% خلال حوالي عشرة أعوام مضت، وهذا يعني زيادة بتكاليفها وضعفاً بالقدرة مستقبلاً على سدادها نتيجة أن حجمها بات يفوق الناتج الإجمالي الأمريكي بقليل، أما الدَّين الأمريكي الذي يشمل الحكومة والشركات والأفراد فيبلغ 37 تريليون دولار مما ينذر بأزمات مالية ستتكرر مستقبلاً، وكلها تضعف من جاذبية الدولار وقيمته.
وعلى الصعيد الأوروبي، فالحال ليس بأحسن، بل هو بوضع خطير ومقلق جداً يتمثّل بصعوبة توقع استمرار اليورو كعملة موحدة لأهم اقتصاديات القارة العجوز خصوصاً بعد فشل التصويت الإيطالي قبل يومين على التعديلات الدستورية مما أدى لاستقالة الحكومة والمخاوف التي بدأت تظهر على القطاع المالي الأوروبي نتيجة احتمال تعثر بنوك إيطالية كبرى كانت الحكومة المستقيلة تدعم هيكلة رؤوس أموالها ومساعدتها إضافة للحدث الأبرز بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي بدأت تتجه لعقد اتفاقيات تجارة حرة مع الصين والهند لاستيعاب آثار خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتعتزم عقد اتفاقية مماثلة مع دول الخليج حيث تحل رئيسة وزراء بريطانيا ضيفة على القمة الخليجية بالبحرين، مما يعني أن التوجه الخليجي يتطلب اتحاداً بالرؤية والإجراءات والمواقف والاتفاقيات مع الاقتصاديات الكبرى لتعظيم الفوائد وفتح الأسواق الكبرى لمنتجات الخليج البترولية ومشتقاتها لضمان القدرة على المنافسة بعد المتغيرات العالمية بأسواق الطاقة، بل وفي الصناعات والتقنيات العالمية.
إذا كان السؤال عن البديل للاتحاد الخليجي يهدف لمعرفة الخطط البديلة فالجواب غالباً «لا بديل» لكي تكون دول الخليج قوية ومنافسة وتستفيد من وضعها الاقتصادي القوي حاليا من حيث حجم احتياطياتها وانخفاض مديونياتها والقدرة على المنافسة والاستمرار بتسيُّد المنطقة اقتصادياً حيث تمتلك شعوباً فتية متعلمة وبنية تحتية ومقومات قوية تسبق الكثير من دول الشرق الأوسط بمراحل، مما يعني أن الحفاظ على المكاسب المحققة وعلى ضمان مستقبل أفضل يتطلب الاتحاد بالشكل والإطار المناسب لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين بثقل سياسي واقتصادي لتكون من بين كبار الاقتصادات الكبرى عالمياً.