أكتب هذه السطور وقد انعقدت على أرض البحرين أرض الخلود (دلمون واوال) ومهوى أفئدة العرب الكرام القمة السابعة والثلاثون لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في رحاب أخيهم رائد الخير ورمز العطاء، وعنوان الأمل سيدي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين (حفظه الله ورعاه). وهم يتبادلون وجهات النظر والرأي والمشورة في أفضل السبل التي تعزز التعاون وتقوي الروابط وتحقق آمال شعوبهم المتحابة وتطلعاتهم في ظروف غاية في الدقة وتحديات متزايدة ومخاطر لا تخفى. وإذ تتصاعد النزاعات الدولية والحرائق والحروب الأهلية من حولنا، فإن خليجنا الواحد ينعم بالكثير من الأمن والأمان والاستقرار والازدهار في ظل قيادات حكيمة وحكومات رشيدة ودول تتعاون على البر والتقوى وتتحد في مواجهة حاسمة مع الإثم والعدوان والتطرف والإرهاب والتآمر والأطماع الأجنبية.
إن القمة الخليجية المباركة المنعقدة في البحرين اليوم هي مناط أمل ورجاء، ليس لدول التعاون الخليجي فحسب، بل للأمتين العربية والإسلامية وللعالم كله. ومن هنا تأتي المراهنة على قراراتها المنتظرة بالارتقاء بمستوى التعاون إلى مراقي الاتحاد الخليجي المنشود بعون الله وتوفيقه.
إن انعقاد هذه القمة الخيرة واجتماع الشمل الخليجي في هذه الظروف الاستثنائية بامتياز هو التقاء على الخير وللخير وهو في حد ذاته تأكيد على وحدة هذه المنظومة الخليجية وعمق علاقاتها ومتانة روابطها الثنائية والجماعية ووحدة شعوبها العربية وتوافقها وتآلفها بما يؤكد مفهوم «الأسرة الخليجية الواحدة».
إن القمة الخليجية تتزامن مع الزيارة التاريخية التي يقوم بها إلى مملكة البحرين عميد البيت الخليجي والعربي والإسلامي ملك الحزم والعزم سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية (أعز الله ملكه).
فهذه الزيارة الكريمة التي يحل فيها خادم الحرمين الشريفين (أيده الله) عزيزاً مكرماً في رحاب أخيه عاهل البحرين المفدى، وتجتمع حوله قلوب أهل البحرين وعواطفهم ومشاعرهم الطيبة، تضع العلاقات السعودية البحرينية في أعلى مراقيها وتزيدها تعزيزاً وتوثقاً ونماءً وازدهاراً، لما فيه خير الشعبين الشقيقين ودول مجلس التعاون والعرب والمسلمين أجمعين. وهي زيارة تاريخية وأخوية في وقت واحد لأنها تضيف لبنة صلبة إلى صرح هذه العلاقات الشامخ وبنائها المتين القائم على المودة والرحمة ومفهوم العائلة الواحدة الضاربة جذورها الراسخة في أعماق التاريخ.
هذه الزيارة تضيف بعداً جديداً إلى أبعاد العلاقات التاريخية العميقة المتجددة على المستويين الرسمي والشعبي والمتميزة بكينونتها الإنسانية البهية، وبما هو معروف عن الملك سلمان «حفظه الله» من حبه للبحرين ملكاً وشعباً، وبما يكنه له عاهلنا المفدى وشعب البحرين الكريم من ود وتقدير واعتزاز.
لقد توارثنا في المملكتين الشقيقتين هذه العلاقات الوثيقة عن الآباء والأجداد، وهي تزداد كل يوم وثوقاً ورسوخاً وإشراقاً.
إنها علاقات لم تعرف الضعف ولا أصابها الوهن، بل ظلت على مرّ الزمان تتجدد وتتعمق، فقد نسجها «رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه» وكانوا دوماً في طليعة ركب الأمة عطاءً وبذلاً من أجل وحدتها وألفتها واجتماع شملها، وانتماء إلى حضارتها العربية الإسلامية الواحدة.
ولست هنا في معرض استقصاء التاريخ فصفحاته الناصعة شواهد صدق على ما أقول. وكلها مسجلة بمداد الفخر والاعتزاز لأولئك الكرام الميامين من أجدادنا من آل خليفة وآل سعود ومن والاهم على الخير والمحبة، وصدق النوايا ونبل الغايات والأهداف، فكانت لهم اليد الطولى في تعزيز هوية الوطن وترسيخ كيان الأمة تحت راية الإسلام والعروبة. لقد كنا معاً في الماضي وسنبقى معاً اليوم وغداً وفي المستقبل المشرق عطاءً ونماءً بإذن الله.
إن زيارة خادم الحرمين الشريفين ولقاءه بأخيه الملك المفدى حمد بن عيسى آل خليفة في البحرين وبين أهله ومحبيه، هي فاتحة خير وبركة وإضافة نوعية إلى سجل الزيارات المتبادلة على مستوى القيادتين الحكيمتين التي لم تتوقف ولم تنقطع على امتداد قرون عدة. ونحن نعيد إلى الذاكرة هنا زيارة المغفور له الملك الراحل خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود للبحرين عام (2010م) وخلالها تفضل سيدي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة فقدم إلى الملك الراحل السيف المسمى بـ»الاجرب» سيف الإمام تركي بن عبدالله -رحمه الله- وهو مؤسس الدولة السعودية الثانية الذي كان محفوظاً كأمانة لدى الأسرة الخليفية المالكة منذ أكثر من 140 عاماً، في إشارة صدق إلى العلاقات التاريخية الراسخة التي تربط الأسرتين المالكتين الكريمتين والبلدين الشقيقين.. فاستعراض صفحات الماضي يذكرنا بالزيارة التاريخية التي قام بها للبحرين الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله) عام 1939م تلبية لدعوة أخيه صاحب العظمة المغفور له -بإذن الله تعالى- الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، والاستقبال الشعبي والرسمي الحافل الذي قوبل به في بلده البحرين.
ولعلنا لا نغفل عن ذكر الزيارات المتبادلة العديدة بين ملوك وأمراء وقادة البلدين على مر هذه الحقب التاريخية الممتدة فحبل المودة والتآخي والتقدير المتبادل لم ينقطع أبداً بحمد الله وفضله. وهنا لا أجد وصفاً لهذه العلاقات أفضل من وصف الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز «رحمه الله» حين سئل عن شعوره خلال زيارة أميرنا الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (رحمه الله) للمملكة العربية السعودية الشقيقة فقال: «إنه شعور الأخوين حينما يلتقيان.. إننا نعتبر أهل البحرين إخوة لنا ولا نرى أي فارق بين بلدينا الشقيقين». وهنا استذكر تلك القصيدة الرائعة التي نظم عقدها صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (طيب الله ثراه) في الترحيب بزيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمير الرياض عام 1966 للبحرين التي جاء فيها:
((زانت بك الدار يا من زارنا عاني
واستبشروا بك بني عمك والاخواني))
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بخادم الحرمين الشريفين في بلده وبين أهله وإخوانه ومحبيه.
حمود بن عبدالله آل خليفة - سفير مملكة البحرين لدى المملكة العربية السعودية