عروبة المنيف
تنبع ثقافة المجتمع في الغالب من مفاهيم ومعتقدات وقيم يتبنّاها ويألفها المجتمع لتصبح جزءاً منه، تلك الثقافة بكل مكنوناتها تزرع في وجدان وعقول الأطفال يعايشوها ويطبقوها، فهم يحاكون الكبار ويقلدونهم ويصبح من الصعب تغيير ثقافة مجتمع أو تبديلها نتيجة لتدويرها، على الرغم من أن تلك الثقافة أحياناً تكون وبال على المجتمع لأنها ثقافة منفعلة وغير فاعلة، لا تخدمه بل تعريه وتساهم في نشوء مجالس وحوارات تصطخب بالقيم الدنيا للمجتمع كالتزمت والتطرف والشتم وتسطيح الفكر، فكيف يتأهل المجتمع لرؤية 2030م في ظل انتشار تلك الثقافة المنفعلة.
آلمني وحز في نفسي ما تعرّض له الشاعر حيدر العبدالله من هجوم شنيع ضده، وذلك لإلقائه قصيدة مديح أمام خادم الحرمين الشريفين، لم تعجب البعض، ما جعله محل تهكُّمٍ وسخرية لم تلاقيها قصيدة ولا شاعر قبله، لقد وقع التهكُّم والاستهزاء على شخص الشاعر نفسه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فقد كان هجوماً كاسحاً ومتواصلاً!. لا يهم من الذي بدأ ذلك الهجوم غير المبرر، ولكن ما يثير الألم والضيق هي ردات فعل الآخرين، مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي، فقد استمر التشجيع على الحط من قدر الشاعر والإساءة إليه، واعتبار ما يتم تداوله من سخرية عليه من باب إثارة حس النكتة الذي فاق حدود الأدب والحس السليم، ولو تم اختبار أحد أولئك المتهكمين، لوجدناهم غير قادرين على أن يأتوا بشطر بيت شعر واحد مما كتب حيدر.
إنّ ما حصل من هجمة قوية لشخص الشاعر هي ما أطلق عليها أحدهم بظاهرة «التنمر الإلكتروني»، فالتنمر التقليدي يحدث من شخص واحد قوي «متنمر» ضد شخص آخر ضعيف «متنمر عليه» ويكون محيط التنمر محدوداً، كمحيط المدرسة مثلاً، ولكن في «التنمر الإلكتروني» أصبح التنمر لا محيط له ليتعدى حدود الدولة، بينما «المتنمر» يصبح مجتمعاً بأكمله، فماذا نتوقع أن تكون عليه حالة الشاعر «المتنمَّر عليه»؟!، يخيّل إليّ أنّ هناك وباءً قد أصاب المجتمع لكثرة تداول طريقة إلقاء الشاعر لقصيدته والتهكُّم عليها، فالشاعر لم يسرق ولم ينهب ولم يقتل ولم يزن ولم يكذب ولم يرتش! ما فعله كان نظم قصيدة بديعة في المديح وإلقائها!، فما دامت لدى أفراد المجتمع تلك القدرة على الطقطقة والتهكُّم، لماذا لا تفرغ بمن يستحقون ذلك التهكُّم، سارقي الشعب، مرتكبي الفساد لتعريتهم بدلاً من التنمر على مرهفي الحس من الشعراء المستضعفين؟!.
ثقافة الطقطقة، والتهكُّم والسخرية والتسطيح يجب أن تتغير، ولن يغيرها سوى العقوبات، وتطبيق قانون الجرائم الإلكترونية بحزم أصبح ملحاً، لقد كانت تلك الحادثة للأسف درساً لأبنائنا في التشفي والاستهزاء والحط من قدر الآخر وتداول ثقافة منفعلة خرقاء، فالتربية الصحيحة والثقافة الفاعلة لا تسعد بذم الآخرين ولا تنتشى بقذفهم والحط من قدرهم، فأبناء الوطن هم ثروتها يستحقون تربية وثقافة تليق بهم وبوطنهم وبرؤيتهم المستقبلية.