غسان محمد علوان
ها نحن نعيد الكرة مرة أخرى، نعيد تشكيل مستقبل كرتنا، نعيد خطة تقريب الأحلام إلى حدود الواقع.
الرياضة صناعة، الرياضة احتراف، الرياضة استثمار، الرياضة عالم متكامل، يستطيع القيام بذاته.
هذا ما نحلم به وما نصبو إليه قولاً وفعلاً، وأنظارنا شاخصة نحو لحظة إشراق تنير العديد من العقول الخاملة التي تعجز عن النظر إلى ما هو أبعد من أقدامه، مزيحة عن وسطنا كل أولئك المتمسكين بكل عنف بمدرسة الهواية التقليدية، والعاضين بالنواجذ على سياسة (هذا ما وجدنا عليه آباءنا).
خدمة الشباب، وتطور الرياضة، وإعلاء اسم وطننا الحبيب، ورفع علمه الغالي في المحافل الدولية.. كلها ثوابت راسخة، وجميعها أهداف سامية، لكنها عن بكرة أبيها قد استُخدمت كثوب فضفاض لدغدغة مشاعر الآخرين دون محاولات حقيقية لتغذية ذاك الجسد الذي يرتدي ذاك الثوب؛ فغدت رياضتنا - ولعقود من الزمن - كخيال مآتة، يتلحف بأجمل رداء. غير قادر على اتخاذ خطوة للأمام، ولا يمنعه من السقوط أرضًا سوى منطق إدارة الأزمات، الذي من المفترض أن يكون وضعًا عارضًا، فغدا حالاً واقعًا.
الانتخابات القادمة ستكون بالفعل مرحلة جديدة في رياضتنا، بعد أن دخلناها في المرة السابقة بفكر (اللا انتخابات) نفسه، رغم وجود صناديق الاقتراع.
وأجمل ما حصل هو تقديم الدكتور عادل عزت ملفه الانتخابي قبل بقية المرشحين الآخرين، ليس لمجرد الاقتناع بما فيه وحسب، بل لرفع مستوى المنافسة، ونقلها من مرحلة الشعارات الجوفاء لمرحلة الخطط الواقعية ومقاييس الأداء.
جميعنا قادر على وضع أهداف، وجميعنا قادر على تقديم الوعود (بمحاولة) تحقيقها، ولكن الصعب أن تضع خطة ملموسة وحقيقية، ترسم لنا دروب الوصول لتلك الأهداف خطوة بخطوة، مقيدة بمراحل زمنية واضحة، تكشف مدى نجاح الخطط على أرض الواقع لحظة بلحظة. فمن بديهيات وضع الأهداف أن تكون قابلة للتحقيق، وقابلة للقياس.. ولكن الواقع الصادم أخبرنا مرارًا وتكرارًا بأن جُل من تقلدوا تلك المناصب قد غابت عنهم تلك النقطة البديهية؛ فوعدوا بما لا يملكون القدرة على تحقيقه، وبحثوا عن أهداف لا سبيل للوصول لها إلا بمعجزة أو مصادفة خارقة للعادة. فإن تحدثنا عن العدالة والشفافية فلن نطالب باختفاء صوت المعترضين أو الغاضبين، بل سنطالب بوجوده نصًّا وقانونًا وإجراء متبعًا، نراه في كل حادثة أو موقف.
وإن تحدثنا عن التحكيم فلن نطالب باختفاء الأخطاء التحكيمية من ملاعبنا تمامًا، بل سنطالب بحكام محترفين، يحصلون على حقوقهم دون تأخير، ويحصلون على كل تدريب ممكن قادر على تطويرهم وتوسيع مداركهم بماهية أدوارهم ومسؤولياتهم، والارتفاع بمستوى احترافيتهم.
وإن تحدثنا عن المنتخب فلن نطالبه بتحقيق كأس العالم أو تحقيق كأس آسيا، بل سنطالب توفير أرضية خصبة لإنتاج منتخب قوي، يحظى بدوري قوي بمستوى منافسة عالية، يضمن توفير أفضل المخرجات لمن يمثل المنتخب.. وسنطالب بمدرب كفؤ، وإدارة منتخب واعية، واحتكاك قوي (مستمر) مع أفضل المدارس والمنتخبات الكروية لصقل عناصر المنتخب وتجهيزهم للمواجهات القوية.
هنا يتبيَّن لنا الفارق بين (الهدف والمنجز). فعملك هو تحقيق الهدف، والسعي للوصول به إلى خط المنجز، الذي قد يأتي كحبة كرز فوق كعكة شهية، أو لا يأتي؛ فتحاول مجددًا الوصول إليه. فالمنجز الذي نتحدث عنه يجب أن نحدده بوعي كبير، ونفرّق بين نوعية (المنجز الداخلي) و(المنجز التنافسي). فالمنجز الداخلي هو الارتقاء بكيانك الحالي ووضعك الراهن إلى مستويات أعلى. والرهان على تحقيق الهدف والمنجز سوية قابل للتحقيق، وقد يتطابقان فقط في هذه الحالة. أما المنجز التنافسي فسيظل رهينة للميدان، وتحقيقه خاضع للتوفيق وحدّة المنافسة وقوة المنافس.. وهنا سيكون هدفك وينتهي دورك أيضًا بأن تضع نفسك كمنافس حقيقي قادر على تحقيق أهدافك، واقف على أرضية صلبة من العمل التراكمي، ثم تنتظر بكل شغف أن يتحقق ذلك المنجز بعد أن وصلت للهدف.
كلنا شوق لما سينتج من هذه التجربة الحديثة، وكلنا شوق لعمل مؤسسي حقيقي، ترى آثاره على أرض الواقع، وليس على صدور صفحات الصحف فقط.
خاتمة...
إذا أردت النجاح فلا تتبع متاهات الفاشلين، بل اصنع طريقك بنفسك.