محمد آل الشيخ
الانفتاح والانغلاق مصطلحان دائماً ما نسمعهما ويرددهما البعض في كتاباتهم ومقولاتهم، لكننا - على ما يبدو - لم نفهمها فهماً دقيقاً، ولم نحدد دلالات هذين المصطلحين كما يجب أن تكون. هذا ما يدور في ذهني حينما أسمع مثلاً مصطلح (سماحة) الإسلام التي تعني حكماً التسامح مع المخالف، ومحاولة إقناعه بالحسنى من خلال الحوار والنقاش والحجة، لا بالقوة أو الإرهاب والتخويف. وأنا على يقين لا يخالجه شك أنّ (الإرهاب) منتج ذو علاقة حميمية وطيدة بالانغلاق الفكري. فلا يمكن عقلاً أن يكون الإنسان متسامحاً ومنفتحاً على كل الآراء والمشارب الفقهية, ويكون إرهابياً. لذلك فإننا يجب أن نبتعد ما استطعنا عن الانغلاق والتعصب للرأي أو المذهب، أو حتى الطائفة، وننفتح على من نختلف معهم، ونفهم ونتفهّم ما يطرحون وما يقولون، وتكون علاقتنا معهم علاقة (حوار) ومناظرة، لا علاقة قمع وترهيب، ودعوة إلى تكميم الأفواه من خلال تحريض السلطات الحاكمة لإسكاته وتخييط فمه؛
وعادة ما يكون المنغلق محصوراً ضمن دائرة محدودة، لا يحيد عنها ولا يبرحها، وإذا تجرأ واحد منهم وفعل، تلقّى من سهام التجهيل والتبديع، وربما التكفير، والاتهام بالزندقة ما الله به عليم. والغريب أنّ الإرهاب حينما يطرق أبوابهم، وتحدث حادثة هنا أو هناك، فإنّ التبرؤ، وربما التجهيل هي القوقعة التي يتقوقعون بها، وكأنّ الإرهابيين قدموا للتو من كوكب الزهرة أو المريخ.
وأقولها للمرة الألف: لن نستطع تجفيف منابع الإرهاب تجفيفاً حقيقياً إلاّ إذا تخلى كثير من المسلمين عن:
أولاّ: (الانغلاق)، ومارسوا الانفتاح على من يختلفون معهم، وسمعوا حججهم وما يقولون بموضوعية وحيادية، أما أن (ينغلقوا) على الرأي الواحد، فلا يسمعون إلاّ أنفسهم، ولا يفهمون إلاّ لغة أصحابهم ومناصريهم، فإنّ الإرهاب مُقيم ما أقام عسيب.
الأمر الثاني: أن يبقى الإسلام كدين، يسع كل المسلمين قاطبة، وأن نرفض - من حيث المبدأ - أن تستغله جماعات مسيسة، كجماعة الأخوان والسروريين المسيستين مثلاً ، لتحقيق مآرب وغايات وأهداف سياسية سلطوية. ومثل هذه الجماعات، لا مبادئ لها، ولأنها مسيسة، تضحي بكل مبادئها وقيمها إذا رأت أنّ هذه التضحية من شأنها إيصالهم أو إيصال من يناصرون إلى السلطة؛ فقد تخلوا مثلاً - عن تكفير العلمانية والعلمانيين، كما هو خطابهم التاريخي التقليدي، واعتبروها اليوم مجرد (وسيلة) مشروعة، لا غبار عليها، إذا كان من شأنها أن تكون لهم مطية للوصول إلى السلطة، كما هو منهج مناصرهم أردوغان في تركيا العلمانية.
كل ما أريد أن أقوله هنا، وقلته مراراً وتكراراً، أنّ من يمتطي الدين ويجعله سلّماً ليصل به إلى السلطة السياسية، لا بد وأن ينكشف، طال الزمان أو قصر. كما أنّ من يلغي (الآخر)، ويصر على التكلس والانغلاق، ويضع أصابعه في أذنيه كي لا يسمع قول من يختلف معه، سيصل إلى طريق مسدود في نهاية المطاف. وحينما يجتمع الانغلاق والتسييس فإنّ النتيجة هي الإرهاب حتماً.
إلى اللقاء