إبراهيم عبدالله العمار
في 28 يناير عام 1986م، انفجر مكوك «تشالنجر» الأمريكي. عملت وكالة ناسا جاهدة على هذا المشروع، واجتمع الكثير من الناس ليشاهدوا عملية الإطلاق والتي بُثَّت أيضاً مباشرة على الهواء، وبعد 73 ثانية من إطلاق المكوك رآه الناس ينفصل لجزئين وينفجر، وقُتل كل الطاقم. كانت صدمة للأمة، وكان الرئيس ريغان على وشك أن يخطب الخطبة السنوية المعتادة، لكنه أجلها بسبب ذلك، ولا تزال المرة الوحيدة في تاريخ أمريكا التي يؤجل فيها الرئيس خطابه السنوي، ورثى الناس الطاقم وتألموا مما حصل، وكالعادة في الأحداث الكبيرة فإن الناس عادة يتذكرون أين كانوا لما سمعوا بالخبر.
أولرك نايسر أحد علماء النفس قرر أن يصنع تجربة، ورأى أن هذا هو الوقت المناسب. في الصباح الذي تلا انفجار مكوك طلب العالم من طلابه أن يرووا كيف تلقوا الأخبار، وكلهم كتب تقريراً بهذا بكل تفصيل.
بعدها بثلاث سنين طلب منهم أن يتذكروا التجربة، وكانت النتيجة أنه لا أحد منهم إطلاقاً أصاب، بل إن ربعهم أخطأ تماماً، ومن الأمثلة أن أحدهم سمع الخبر لما كان يحادث صديقه في مقصف الجامعة، لكنه لما حاول الاستذكار بعد تلك السنين الثلاث قال: كنا في ممرات الجامعة وأتت فتاة تركض وتصرخ أن المكوك انفجر.
فتاة سمعت الخبر من عدة زملاء في حصة دينية، ولما حاولت استذكار الحادثة قالت: «كنت في غرفتي الجامعية مع رفيقتي في السكن وكنا نشاهد التلفاز فأتى خبر عاجل أن المكوك انفجر وكلانا صُدِم بهذا».
مثل هذه التجارب كثرت في علم النفس، وكلها تؤكد معلومة لا شك فيها: الذاكرة البشرية كثيرة الخطأ ولا يُعتمد عليها.
تجربة وراء تجربة أظهرت أن استذكارنا للأحداث يمر بصعوبات ومشكلات كثيرة لا ندركها، غير أن المخ يحاول أن يصنع صورة لما يظن أنه حصل، وليس يستعيد الأحداث فعلياً كما نقلتها الحواس. تحصل تغييرات في عملية الاستذكار، ولا تشبه النسخة الجديدة الأصل تماماً، وأحياناً كما رأينا في التجربة السابقة فإن النتيجة خاطئة كلياً.
الذي يفاجئ أكثر من تغييرات الذاكرة هي ردات فعل الناس إذا عرفوا أن ذاكرتهم أخطأت، فهم يصرون أن الذكرى الجديدة (الخاطئة) هي الصحيحة! الطلاب هؤلاء ترددوا في تصديق القصة الأولى رغم أنها مكتوبة بخط أيديهم. أحدهم قال: «نعم، هذا خطي، لكني أتذكرها بشكلٍ آخر!».
ضع هذا في ذهنك دائماً.
استذكارك للأحداث ليس صحيحاً دائماً، وأحياناً يُخطئ بشكلٍ تام، وتمر بذهنك مشاعر وتشويهات واضطرابات تجعل من استذكارك شيئاً يستحق التشكيك والمراجعة.