عبده الأسمري
جيل المخضرمين هم الأوفر حظاً والأكثر سعادة ثمة متغيرات بين جيلهم الماضي المسكون بالفرح وبين جيل جديد غيرته التقنية فتغيرت معه معاني الحياة بيننا تتبدل الوجوه وتتغير الملامح وجوه غاضبة تتربص بالابتسامة فتصادرها وتغتال نواحي الجمال لتحولها إلى غبار ورماد يعزل الفرح بينما تظل أخرى قليلة بل ونادرة تظهر فرحة مستبشرة ما نراه هو الظاهر بينما يظل الداخل في علم الغيب وعلم صاحبه.
العنوان الأبرز هو غياب الفرح فالابتسامة تظل في عزلة منكبة على جهاز جوال والسخرية باتت تحتال فتسبق البسمة الصادقة وغادر الفرح المجالس ليحل مكانة الانزواء والانفراد برسائل ودردشات مكررة رتيبة تظهر كشائعة تارة وكطاقة سلبية تملأ الجهاز النفسي بؤساً وألماً وحتى حمقاً تارات، آخر تغيرت ملامح الوجوه وتبدل معها وجه الحياة وصفات البشر وتحولت محاور الحياة الجميلة الساكنة إلى صخب وضجيج لا يهدأ وباتت الحياة ملونة مشكلة ولكنها تشكلت بلوحة باهته ألوانها متداخلة متشابكة غير مفهومة غير متناسقة تصدر التوتر وتشيع القلق تعددت الأمراض النفسية وزادت القضايا بالمحاكم وقلّت مساعي الصلح وارتفعت وتيرة التجهم بالوجوه والتهجم على المبادئ سادت الشحناء وعمت البغضاء قلّت الفائدة في الخطاب والحديث والتوعية وازداد معدل التدليس والأخطاء اندثر الجمال الروحي الحقيقي للنفس وأصبحت الأقنعة حيلة متاحة لكسب المصالح وتسيير الأهواء كل ذلك يحدث وثمة استغراب وأسئلة واستفسارات تملأ عقول البعض وتحتاج خواطرهم خصوصاً ممن عاش الفرح وتعايش مع تفاصيله ليسأل أين يكمن الخلل؟ ومن غيب الفرح؟ وصادر البهجة؟ ما مصير أجيال لم تعش الماضي الجميل لذا فهي معزولة عن السؤال متشبثة بالعيش المكرر الرتيب، الإجابة تكمن في التعامل مع معطيات الحياة فالعيش المريح والبيئة النفسية الصالحة للاتزان المليئة بالإنجاز هي في أسلوب الحياة وكيفية السير والتعامل باحتراف ذاتي مع حياة مليئة بالتناقضات مشبعة بالأزمات حتى نحافظ على رواسب فرح عامر رسمها زمن مضى المشكلة تكمن كيف نزرع الفرح كيف نوظفه كيف نشيع هذه الثقافة التي ظلت مختبئة بين جنبات الحياة تنتظر من يخرجها ومن يبث إيحاءاتها تتنقل بين القنوات فتجد الحروب تملأ الشاشات وإن خرجت للشارع أو إلى مكان عام لمست تناقضاً بين المأمول والواقع، تجهم سائد وتوجس يملأ الأماكن، وإن أردت أن تشاهد فرحاً فضائياً فأنت تعيش على ذكريات تجددها الشاشات من زمن مضى باتت الابتسامة أمراً مكلفاً لدى البعض رغم أنها مجانية وسهلة الظهور من الملامح إنما هي عملية بيولوجية وسيكولوجية متاحة لكل البشر بل وعليها أجر الكل يحتاجه غياب الفرح بسبب تغير عجلة الحياة ولكن إن أردنا أن نعيده للظهور علينا أن نغير بوصلة التعامل مع معطيات الحياة وأن نرسم الفرح باللغة بالفعل بالمظهر وقبلها بنبوعه من القلب وتطبيقه بالعقل الذي يعدان مصدران أساسين لصناعة جمال الحياة وإعادة الفرح إلى حيث يكون مكانة عنواناً للإنسان والمكان في كل زمان.