د. جاسر الحربش
في أيام العمل الثلاثة الأخيرة من الأسبوع الماضي عقدت عدة جلسات نوعية في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني تحت عنوان: اللقاء الوطني، التعايش المجتمعي وأثره في تعزيز اللُحمة الوطنية. المهتم بالاطلاع على المحاور والجلسات يجدها على موقع المركز في الشبكة العنكبوتية.
حضرت كضيف، استجابة للدعوة الكريمة من المركز. بنيت استجابتي على سببين، أولهما الاستماع لجلسة عن المعوقات والتحديات التي تواجه التعايش المجتمعي، والأخرى عن سبل وآليات تعزيز هذا التعايش. السبب الثاني كان افتقادي في برامج الجلسات لمحور يختص بتحسين وتهيئة الظروف الفاعلة والإيجابية، المادية والمعنوية لنشر وتعميم التعايش المجتمعي. ربما كان ثمة سبب آخر شخصي، هو حرصي على إبداء تعقيب مسموع أو مكتوب في هذه الجزئية بالذات، وقد فعلت ذلك.
من خلال متابعاتي للقاءات الحوار الوطني السابقة، نادراً بالحضور الشخصي وغالباً بالاطلاع. اقتنعت بأن الحوارات بالمجمل كانت في العموميات، وتتحاشى وضع المراهم على أماكن الألم، أي تحديد المعوقات الحقيقية للتعايش التي تمس المواطن نفسه في مكانه، معيشياً وثقافياً ومذهبياً ومناطقياً، وبتحديد أدق تمس الجودة النوعية لظروف التعايش قبل الدعوة للتعايش. الكلام في العموميات يعني تقديم المرئيات الشرعية بطريقة الوعظ والنصح والتذكير، ويعني تقديم المرئيات التربوية بطريقة الحث على حب الوطن وضرورة التضامن للدفاع عنه كمصلحة شاملة وملزمة للجميع، ويعني تقديم المرئيات الإعلامية بطريقة التذكير بالتنمية المتميزة التي وصلنا إليها في كل المجالات، مقارنة بمن حولنا من المجتمعات الإقليمية، ويعني تقديم المرئيات الاجتماعية بطريقة التذكير بأضرار الشحن المذهبي وإثارة النعرات القبلية والمناطقية، إلى آخره.
أستطيع أن أضع كل ذلك داخل إطار الوعظ والنصح والإرشاد الديني والتربوي والإعلامي والاجتماعي. ما ينقصنا حسب قناعتي المتواضعة هو وضع الأصابع على البؤر الحقيقية والمطالبة بمعالجتها بفعالية، فذلك لوحده كفيل بتحقيق أكبر قدر من التعايش. الأفراد أو الطبقات أو المناطق التي تتخيّل أو تعتقد بالغبن، إن وجدت، لن تقتنع بمطالب التعايش بناءً على الكلام في العموميات.
بقناعتي هذه تعمدت المداخلة المسموعة، وقدمتها مكتوبة، وطلبت التركيز على هذه الإشكالية الأهم في لقاءات الحوار التعايشي الوطني، وشرحت ذلك في نقاط أوجزها لكم بالترتيب.
التفاوت الطبقي المادي الكبير وتآكل الطبقة الوسطى وانزياحها إلى الأسفل - وجود التمايز الأسري المبني على حزازات جاهلية قديمة تتدخل حتى في الزواج والطلاق - الاضطرار للانحياز المناطقي للوصول إلى المنافع والخدمات الشخصية - الاعتقاد بوجود فوارق كبيرة في تنمية المناطق والمحافظات - وجود العزلات الاجتماعية في أحياء المدن الكبرى حسب مناطق النزوح - الإحساس المبرر جزئياً على الأقل باحتكار المراكز الهامة والتمثيل الحكومي للمناطق وليس للكفاءات - والنقطة الأخيرة التي أكدت عليها أكثر من غيرها كانت إشكالية الاستنبات المستمر لبذور كل ما سبق في صفوف التعليم الأولي والمتوسط بتشجيع من بعض المدرسين وغياب الرقابة المنهجية التربوية، مما يجعل هذه البذور تستمر في إنتاج نفس الثمار في المستقبل.
أراحني كثيراً أن ملاحظاتي قُوبلت بصدور رحبة من المنظمين والمشرفين والمسؤولين في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، أسأل الله لهم التوفيق والنجاح.