يكتبها - إبراهيم السمحان:
عندما تسلك طريقك عن قناعة وتأخذ حياتك في التدفق فيه، ترى روافد لم تكن في حسبانك، كيف أنها تنبثق من الأرض وتلحق بك، كيف تضفي الأحداث التناغم والثراء عليك وعلى العالم من حولك، كيف يمنحك، وأنت الشاعر, مجتمع الفن والثقافة أجواء تقبض في عالمها على نفسك المتحفزة وهي تستجيب لكل مثير، وتحيله - وعلى نحو ملموس - إلى قصيدة، ومع هذا فلم تكن قبل ذلك تشعر بأنك تفتقد شيئاً. «إن الطريقة الوحيدة التي ندرك بها أننا نحلم هي أن نستيقظ من الحلم» مقولة تنطبق علي, ربما, عندما تلقيت دعوة من جمعية الثقافة والفنون بالقصيم. فقد بدأت في التردد على الجمعية فإذا بموهبتي وحواسي، وحتى عقلي، تنكشف لي جائعة، وتطلب المزيد من الغذاء الذي يمدها بالحياة ويبقيها متأهبة على الدوام، فأجواء الفن والإبداع (الشعر – المسرح – الفنون التشكيلية – الفلكلور الموسيقى - الثقافة) رأيتها عياناً وهي تتخلق في عقول وأيدي مبدعيها: المؤلف والمخرج محمد بن فهد الهويمل، الفنان التشكيلي علي عبدالله السعيد، الكاتب صالح الحميدان، الفنان المخرج صبحي يوسف، الأستاذ أحمد السمحان، المخرج ومدير تلفزيون القصيم الأسبق إبراهيم السلوم.. وآخرون. وبالقرب دوماً كان الشاعر أحمد الناصر الأحمد كتجربة شعرية جميلة وشخصية متميزة تجبرك على احترامها. من هؤلاء جميعاً تعلمت بأن ليس ثمة مستقبلاً يمكن أن نعد له أنفسنا، أن نخطط ونحسب على مهل ونتوقع أفضل النتائج ثم نعمل على ذلك، وإنما هي اللحظة الراهنة وحسب، تذوب وتتماهي الأزمنة كلها ولا يبقى سواها، فإن استطعت الإمساك بها واستثمارها وإلا فقد خسرت كل شيء، فهي الجوهر الحقيقي للحياة وللإبداع على حد سواء.
إن وعياً جديداً بقيمة الوقت وبأهمية الالتصاق بمجتمع الإبداع وكأنه قد تسلل إلى كياني، فلم أعد أهدر أي لحظة دون أن أضع ولو حجراً واحداً في بناء تجربتي, وسبب ذلك أني أصبحت أكثر ارتباطاً بمصادر الطاقة الداخلية فيَّ، من وما حولي، غير قادر على العيش بعالمي الخاص وتجاهل ما سواه، وعلى مستوى علاقاتي بالشعراء تولد لدي فهم جديد حل التكامل فيه مكان المنافسة، وبذا تفرغت للاشتغال بتجربتي بهدوء وراحة بال. إنما كم كان شوقي وشغفي كبيراً لمن يفتح كوامني أكثر، لمن يلقي بزمرده في بئر أفكاري، فقد كانت تتراءى لي على البعد مناطق في مخيلتي بكر ولم ارتدها بعد، أريد شخصية استثنائية أسمح لها بالدخول لمكامن الكتابة فيَّ، وقد وجتدها في المخرج الكبير صبحي يوسف، هذا الفنان الماهر حالة خاصة، طاقة إبداعية تتدفق دون قيود أو حدود، فقد تلمس في حسه الفني العالي منابت الدراما المبثوثة في نصوصي وإمكانية مسرحتها، فوضع يدي عليها ودفعني في هذا الاتجاه الذي أجد نفسي فيه منسجماً مع نفسي، وفي خضم ذلك لم أغفل التماهي مع المحيط بارتحالاته الزمانية والمكانية، برموزه ونقاطه المضيئة، فجاء أول تعاون بيننا عبر أوبريت (وطن ومسيرة)، ومن تلك المشكاة تسلل الضوء:
تاج القصيم بريدة
عشق سكن وجداني
لحن السنين تعيده
صبابتي واشجاني
هذا الإنسان الذي غمرني بشطآنه الضوئية مدهش كالحبر، باعث على الشعر، موقد للشعور، ووفاء لبعض حقه جاء هذا النص في يوم تكريمه مبتسماً له، هاتفاً به ومعه وله:
حقيقة التكريم تكريم للفن
في شخص فنان تناهت فنونه
المبدع اللي للنجاحات هيجن
وتمايلت بعذوقها مع لحونه
يعطي عطا ماله حدود وبلا من
غيث بصدق الجود تهطل مزونه
صبحي، وصبح المسرحيات لاجن
يحكن شذا عطر تعتق بجونه
هذا ولامن المسارح تباهن
باهل الوفا فاهل الوفا يذكرونه
مشاعره، حسه، يكادن يذوبن
ميزات يخفيها وتنطقن عيونه
والنص بيده يحتفل ويتزين
وينثر على زرع المعاني هتونه
فوق الورق مشاعر الصدق هاضن
في بعض حقه، وردة من غصونه