إبراهيم عبدالله العمار
الساعة الثامنة والربع ليلاً في 19 فبراير 1994م، طاقم الإسعاف في مدينة ريفرسايد في ولاية كاليفورنيا يهرعون بسرير عليه شابة إلى المستشفى العام، يقتحمون المكان ويدفعون الأبواب ويركضون بها للإسعاف، حيث وضعوها في إحدى الزوايا وأسدلوا حولها الستار، إنها في وعيها، لكن إذا سُئِلَت فلا تجيب إلا إجابات قصيرة غير مفهومة، أنفاسها متسارعة، قلبها ينبض بسرعة شديدة، حتى انه لا يتيح لأجواف القلب أن تمتلئ بالدم قبل أن تُضخَّ خارجاً، ضغطها يتدهور، لكن الشيء الوحيد المستغرب هو عُمر المريضة المصابة بسرطان الرحم: 31 سنة، الذي يُؤتى بهم بتلك الأعراض غالباً من الطاعنين في السن.
ضخوا الأكسجين لرئتيها، أعطوها 3 أدوية لتخديرها، ثم أدوية أخرى لتثبيت ضربات قلبها، استجابة المريضة غلوريا ضعيفة لكل هذه المحاولات، سارعوا بجهاز الصدمات لينعشوا قلبها، فأزالوا قميصها ليضعوا الأقطاب على قلبها، وحينها لاحظ الطبيب شيئاً: طبقة دهنية لامعة على جسدها، واشتموا رائحة فاكهة وثوم ظنوا أنها آتية من فمها.
أتت ممرضة وسحبت دماً من غلوريا لتحليله، وشمت رائحة كيميائية من الدم، انحنت لتحاول أن تجد مصدر الرائحة، أعطت الإبرة المليئة بالدم إلى ممرضة أخرى، بدأت تترنح، «أمسكوها!»، هتف بها أحد أفراد الطاقم وركض ليمسكها قبل أن تفقد وعيها، استعادت بعض وعيها، قالت إن وجهها يحترق، وضعوها على عربة وأخرجوها.
الممرضة التي استلمت الإبرة شعرت بالغثيان، فخرجت وجلست، وأتت زميلة تسألها إذا كانت بخير، «نعم، فقط بعض الدوار»، وما هي إلا ثوان حتى خرَّت مغمىً عليها، جسدها ينتفض، نفسها يتوقف كل عدة ثوانٍ، أسرعوا بها للخارج وأخذوا يسعفونها، سمعوا صرخة من نفس الغرفة وإذا بممرضة ثالثة تسقط فاقدة الوعي، بدأ طاقم المستشفى واحداً تلو الآخر يقولون إنهم يشعرون بالغثيان والضعف! ممرضة رابعة تقيأت بعد أن لمست جسد غلوريا المحتضرة وشعرت بحرارة قوية في جلدها.
انتشرت القصة كالنار في الهشيم، الكل يحاول تفسير هذه الحادثة المدهشة، هل تحول جسد غلوريا إلى أنبوبة غاز سام؟
أتى فريق متخصص في الغازات السامة، يبحثون عن غاز سام في غرفة الإسعاف، ولم يجدوا شيئاً، لم يبق إلا حل واحد: تشريح غلوريا المتوفاة الآن، لبسوا ما يشابه حلل رجال الفضاء، أخذوا دماً من غلوريا وخرجوا من الغرفة المعزولة، حللوا الدم، لم يجدوا شيئاً. أخذوا أنسجة من القلب والرئة والكبد والكلية والمخ، استخدموا أحدث الأجهزة لتحليل تلك العينات، النتيجة لا شيء يلفت الانتباه!
خرج مدير المستشفى لحشد من الإعلاميين الذين يتابعون القضية منذ أول يوم، الكل متحرق للمعرفة، قال: «غلوريا راميريز توفيت بسبب فشل كلوي متعلق بالسرطان، وأما طاقم المستشفى فقال لم نجد أي غازات سامة سببت لهم ذلك». أصدر المستشفى تقريره الرسمي أن ما حصل للطاقم (34 شخصا) هو بسبب هستيريا جماعية، أي ضغوط نفسية قوية متواصلة جعلتهم يصابون بأعراض جسدية جماعية.
لا زالت «المرأة السامة» (كما يُطلَق الآن على غلوريا) قضية غامضة، ما شأنها؟ من المواد التي وجدوها لما حللوا دمها شيئا اسمه ديميثل سلفوكسيد، ليست ذات شأن، استخدمها الرياضيون في الماضي لتخفيف آلام العضلات والمفاصل، ومنعتها وزارة الصحة الأمريكية لما وجدت أنها تؤثر على العين، لكن ظل الناس يستخدمونها كعلاج منزلي يخفف الألم، يبدو أن غلوريا استخدمته لتخفيف ألم مرضها، هذه المادة تتفاعل مع الأكسجين في درجة حرارة معينة لتنتج مادة شديد السمية اسمها ديميثل سولفات، تسبب الهلوسة والتشنج والشلل وفقدان الوعي، هل هذا ما حصل للطاقم؟ لما سحبوا دم غلوريا هل تفاعلت المادة مع الأكسجين وتبخرت إلى غاز سام جديد؟ فريق التحقيق قال إن هذا أقرب احتمال، لكن الفرضية انتقدها علماء، وقالوا إن علم الكيمياء يعارضها بقوة، وأقر الفريق بضعفها، لكن قالوا لا يوجد شيء أفضل.
وتظل هذه القصة تثير الغموض إلى اليوم.. قصة المرأة السامة.