محمد سليمان العنقري
وقعت قبل أيام اتفاقية بين وزارة العمل والصحة لتوطين المهن بالقطاع الصحي، وذلك بناءً على ما رُصد من انكشاف مهني يعد واسعاً بهذا القطاع الحيوي المهم جداً. ومن الواضح أن اتجاهات وزارة العمل للتوطين الموجه بدأت تدخل في إطار المعالجات الحقيقية التي تسهم بالأمن الاقتصادي من خلال توطين مهن مهمة جداً، ولا يمكن إبقاؤها تحت هذا الخلل الكبير بنسب محدودة عموماً من المواطنين يعملون بها.
لكن حتى تتحقق المعالجة الجذرية المكملة لما تم الاتفاق عليه بين الوزارتين، لابد أن يتم النظر ليس لواقع القطاع حالياً بل لسنوات طويلة قادمة. وكنت قد علقت بمقالات سابقة أنه لابد من تغيير واسع بالنظرة لاستقطاب الشباب والشابات لهذه التخصصات الصحية المهمة. فالنسب المعلنة لشاغلي الوظائف الصحية من المواطنين تظهر تماماً حجم الانكشاف المهني، فالأطباء لا تتجاوز نسبتهم 24% من عدد الأطباء الكلي العاملين بالمرافق التابعة لوزارة الصحة، وحتى مع ضم نسب العاملين ببقية القطاعات فإنها ستبقى دون الثلاثين بالمائة، ومع إضافة حوالي ثلاثة آلاف طبيب سعودي جديد سنوياً، فإننا سنحتاج على أقل تقدير إلى أكثر من خمسة وعشرين عاماً حتى نغلق الفجوة بين الأطباء السعوديين والوافدين، وإن لم يكن هذا هدفاً بحد ذاته الاستغناء عن كل العمالة الوافدة، لكن من المهم أن تكون النسبة الأكبر من المواطنين لتحقيق الأمان المهني وهو ما ينطبق على كل التخصصات الصحية دون استثناء.
وحتى تكتمل المعادلة المؤدية للأمان المهني بالقطاع الصحي، فإن المنطق يفرض أن تكون الجامعات الوطنية ممثلة بوزارة التعليم مشاركة بالاتفاقية مع وزارة الاقتصاد والتخطيط التي يجب أن تكون هي التي تقدم الاحتياجات الحالية والمستقبلية من باب دورها التخطيطي للتنمية وحماية الاقتصاد، وذلك يتحقق من خلال معرفة تامة باحتياج كل منطقة من كل التخصصات الصحية الحالية والمستقبلية وإبلاغ الجامعات بقبول أعداد تتناسب مع تلك الاحتياجات بكل التخصصات حتى يكون لدينا خطة واضحة محددة بمدة زمنية مناسبة للوصول لنسب عالية من التوطين للتخصصات والمهن الصحية، مع تأهيل عملي ومنهجية متطورة لتعزيز قدرات الكوادر البشرية بالقطاع.
إن عدم إشراك الجامعات ووجود دور محوري لوزارة الاقتصاد والتخطيط قد يقلل من حجم النتائج المرجوة لتوطين القطاع الصحي، فالاتجاه فقط لتأهيل وتدريب ممن يحملون شهادات بتخصصات صحية لن يكون حلاً كافياً للانكشاف المهني بالقطاع، فالحل يكمن بتخطيط واسع يشمل حلولاً دائمة والاستفادة من وجود عشرات الكليات الصحية لرفع نسب القبول بالتخصصات الصحية عموماً مما سيكون له أثر كبير بوقت قياسي برفع نسب السعوديين المهنيين بالقطاع الصحي وإغلاق الفجوة الكبيرة حالياً بنسب محدودة للمواطنين من شاغلي الوظائف الصحية.