مها محمد الشريف
تكنولوجيا الصورة بثت على قنواتها أشهر الثنائيات في التاريخ، هذا العصر الذي قدم الكثير من الأشكال المتطورة للعالم بكل ثوراتها وبطولاتها وجرائمها المنظمة وصورها الكرتونية. ثمة ظاهرة تلعب دورًا رئيسًا في طفرة التقنية اليوم، حيث ساد العالم موجة من النشاط التقني القائم على نشاط علمي مكثف حقق بها مكانة متميزة في العقل المعاصر.
أهم ما يمكن تحصيله في هذا المقام هو إسهام الأدب في تشكيل الرؤية السياسية، حيث تميز غأبريل غارسيا ماركيز بعبقرية أسلوبه ككاتب وموهبته في تناول الأفكار السياسية. وقد تسببت صداقته مع الزعيم الكوبي فيدل كاسترو الكثير من الجدل في عالم الأدب والسياسة، وعلى ضوء هذه الصداقة اعتبرا أشهر ثنائي بعد أرنستو تشي جيفارا مع فيدل كاسترو.
ومما يدل على أن الجميع يعرف جيفارا بأنه كوبيا بسبب أفعاله في كوبا، لكن الحقيقة أن تشي جيفارا ولد في الأرجنتين ولم يكن مواطنًا كوبيًا قط، عندما ولد يشاع أن والده قال: إن الدم الذي يجري في عروق تشي يعود لثائر أيرلندي.
ثمة رواية أخرى جاءت أيضًا في عدة مواقع تخبر أن تشي جيفارا سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرة واحدة ليلقي خطبة على الأمم المتحدة في نيويورك، في عام 1964، وأدانها فيما يخص سياساتها حول الفصل العنصري، حاملاً معه هموم البلد التي ينتمي إليها، والغريب كيف يقوم شخص بتقديم الكثير من أجل بلد لم يكن حتى مواطنًا فيها.
هذا وقد حذرته السفارة الأرجنتينية من أنه مطالب من قبل المخابرات الأمريكية وهناك التقى براؤول كاسترو المنفى مع أصدقائه الذين كانوا يجهزون للثورة وينتظرون خروج فيدل كاسترو من سجنه في كوبا. ما أن خرج كاسترو من سجنه حتى قرر جيفارا الانضمام للثورة الكوبية، وقد رأى فيدل كاسترو أنهم في أمس الحاجة إليه كطبيب.
أضف إلى ذلك، رؤية الأمريكيين الجنوبيين عدة نواح إيجابية لشخص جيفارا، وقد أصبح أكثر شهرة لمرافقته مسيرة كاسترو الثورية ووقوفة ضد المؤامرت الأمريكية الشمالية التي تريد الإطاحة والانقلاب على كاسترو.
وعلى الرغم مما تحمله الفكرة من سرد لشخصية ثورية كتب عنها التاريخ، إلا أنها تقترب من الواقع عندما يتعلق الأمر بهموم البسطاء والفقراء.
فكل المفاهيم المتعلقة بالبطولات والشخصيات الاعتبارية لا تنطبق جميعها على جيفارا لأنه مثل غير موطنه الأصلي واختلط بجنسية الأشخاص المكونين للثورة ولم تكن له لوازم الشخص الطبيعي المستقل يتحدد بها وضعه القانوني.
ويوازي ذلك في الأهمية وجود مثاليات تحملها الأجيال لأشخاص تجهل فرصها الحقيقية في الحياة الطبيعية شخصيات ناقصة غير مدركة لما تمثله قانونًا تنتهي بنهاية الأسباب. لذا فإن التاريخ ينقل الأحداث كما هي دون مفهوم أمني أو على نحو مثالي.
حتى لا تنقلب الأمور الطبيعية إلى الانفلات العملي كون تلك الشخصيات منتصرة وظهرت للناس بمظهر بطولي، تنتهي بنهاية الأحداث وعمرها الزمني، فقد انتهى فيدل كاسترو وتشي جيفار وبقي غابريل غارسيا ماركيز وجوائزه العالمية ومدرسته الواقعية السحرية في الأدب.
وكما قيل كانت «صداقة الرجلين كاسترو وماركيز تعبير عن التقاء رمزين ثوريين، أحدهما في السياسة والآخر في الأدب»، وبدرجات متفاوتة نقول ترحل الأجساد وتبقى الأعمال خالدة وعلى رأسها الأدب وتفاصيله المهمة وقاعدته الأساسية لبقية العلوم.