يوسف المحيميد
حينما أتأمل ما تنتجه المؤسسات الثقافية في بلادنا من مؤلفات متواضعة القيمة والمضمون، وأقارنها بما أنتجه مؤلفون أفراد في مرحلة مبكرة من تاريخ هذه البلاد، أشعر بالأسف لهذا الفارق بين المنجزين، فالكتَّاب الروّاد، كحمد الجاسر وعبدالكريم الجهيمان، على سبيل المثال لا الحصر، قاما بتوثيق تاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها، وسردها الشفاهي الشعبي، في مجلدات ضخمة، في وقت لم يكن سهلاً الوصول إلى المعلومة كما الآن، فلم تكن ثمة محركات بحث يسهل استخدامها، وإنما كان لا بد من البحث الورقي، والسفر أحياناً، والتدوين، للحصول على المادة الخام الأساسية لهذه المجلدات التي لم تزل مصدراً مهماً للباحثين في أسرار الجزيرة العربية!
فلم يكن عادياً أن تنجز عشرة مجلدات تضع فيها عشرة آلاف مثل شعبي مع شروحها، أو تتنقَّل مدوناً الحكايات السردية الشفاهية المتكررة في شبه الجزيرة، وليس سهلاً أن تسافر مسافات في الصحراء لتتأكد من موقع جبل أو واد أو سهل، فقط لكي تكون معلومتك دقيقة ومحددة، هؤلاء الرواد أنجزوا كل هذا ولم يتوفر لهم ما هو متاح لنا من مصادر وأوعية معلومات ومعارف، نصل إليها بكبسة زر، ومن أي مكتبة في العالم، فكيف سيكون منجزهم لو كانت هذه الأمور ميسرة لهم؟
هذه الظروف كانت سائدة في العالم كله، فما زلت أتذكر إجابة الروائي الكولومبي ماركيز حينما سُئل عن عدم حساسيته - كغيره من الكتاب - من استخدام الآلة الكاتبة الكهربائية، التي يعتبر استخدامها نوعاً من البذخ، حيث قال: «إنني مفتون بالآلة الكاتبة الكهربائية للدرجة التي لا أستطيع الكتابة الآن بطريقة أخرى, بشكل عام، أعتقد أنك تكتب أفضل عندما تتوفر لك كل الظروف المريحة، لا أؤمن بالأسطورة الرومانتيكية التي تقول إن الكاتب يجب أن يتضوّر جوعاً وأن يواجه أسوأ الأوضاع قبل أن يتمكَّن من الإنتاج، إنك تستطيع الكتابة بشكل أفضل إذا تناولت وجبة جيدة وكانت تحت يدك آلة كاتبة كهربائية... انتهى.
كيف لو كان تحت يده لوح «كيبورد» مثلاً، وفي المتناول محرك بحث مثل «غوغل» بجميع لغات العالم؟ ماذا سينتج لنا مبدع «مائة عام من العزلة»؟ وأي مكتبة ضخمة سنرث من الرائدين: الجهيمان والجاسر؟