سهام القحطاني
تابعنا على مدى أربع حلقات للأستاذ خالد المالك المكاشفة الصريحة لحال الصحافة اليوم من خلال مقالات «هموم صحفية» وأهمية هذه المقالات، إضافة إلى أنها تصدر من صحفي عتيق في هذا المجال، أنها تصدر من «رئيس هيئة الصحفيين» مما يجعل تلك المكاشفة مشكلة وطنية قبل أن تكون مشكلة فئوية.
ومع تقديري لسلم التحليل الذي انتهجه السيد خالد المالك، وهو سلّم يتجاوز الأولويات ولعله تجاوز مقصود يدخل في باب البديهيات،مع اعتقادي أن البديهيات في هكذا مشكلات أولى بالتقديم.
فقد ركز السيد خالد المالك على «حاصل المشكلة» وليس على مصدري المشكلة وهما العقل الصحفي التقليدي الذي يُدير الصحف، وعزوف المتلقي عن الصحف.
فانحسار الإعلانات هو حاصل عزوف المواطن عن شراء الصحف،العزوف يعود إلى غياب استراتيجية جاذبة للمتلقي غياب يتحملها العقل الصحفي الذي يتحكم في مسار الصحف.
يعلم الجميع أن استمرارية أي وسيلة إعلامية تعتمد على «الجماهير» فالجمهور هو الذي يتحكم نهاية المطاف في جذب الإعلان أو نفوره، وبذلك يصبح المتلقي هو المصدر الأهم المغذي لاقتصاد أي وسيلة إعلامية.
فانخفاض حجم الإعلانات أو زيادتها مرتبط «بالعنصر الجماهيري» أي «التواصل القرائي» وأي انحسار لهذه العملية يعود إلى صنّاع الدائرة التواصلية «أي؛ واقعية صانع الرسالة وصدقيته، والجاذبية المحيطة بالرسالة، وثقة المتلقي بالصانع والرسالة.
وأي اضطراب لسقف توقع المتلقي للرسالة الإعلامية يؤدي إلى اهتزاز ثقته بخلفية تلك الرسالة ثم عزوفه عن متابعتها.
لقد ذكر الأستاذ خالد المالك أن دخول المواقع الإلكترونية مجال المنافسة مع الصحف الورقية، قلص من تواصل المتلقي مع الصحيفة والحقيقة أن من دخل مجال المنافسة هنا هي «المواقع الإخبارية المتلفّزة «التي أصبحت في متناول اليد في كل مكان وزمان، التي تقدم خدمة إخبارية وتحليلية على مدى اليوم وبأسلوب وكيفية جاذبين ومتجددين مع وهو الأهم التجردّ من أي قيود رقابية أو أيديولوجية أو أحادية النظر.
وتلك المواقع الإخبارية هي التي كشفت عورات الصحف الورقية لدينا الغارقة في غياهب العقل التقليدي الصحفي بأساليبه القديمة في تقديم الخدمات الإخبارية وتحليلها، والقيود الرقابية التي تُبعد المتلقي عن واقعه، وتحجب عنه الحقائق، وهو تحجيب هزّ ثقة القارئ بالصحف في عالم مفتوح يتنافس على تقديم الخدمات الإخبارية والتحليلية والحقائق التي أصبحت بدورها مطروحة على الطريق. كما أن مفهوم التطوير وفق العقل الصحفي التقليدي هو مفهوم شكلاني لا يمتدّ إلى قيمة المضمون المبنية على الحرية والصدق وتداول الاختلاف.
إن سياسة الصوت الواحد أو الكربونية الذي ينتهجه العقل الصحفي التقليدي؛ فأنت لو قرأت صحيفة واحدة فكأنك قرأت كل الصحف، هي التي دفعت المتلقي إلى العزوف عن الصحف والبحث عن بديل إخباري يقدم له الرأي والرأي الآخر ويحترم اختلافه.
كما أن تسذيج عقل المتلقي والوصاية على فكره من سياسات العقل التقليدي الصحفي، التي كانت ناجحة ما قبل العولمة والخبر الطائر والتحليل متعدد وجهات النظر.
ولذا سقطت الصحافة الورقية في ظل السموات المفتوحة والأجهزة الذكية التي جعلت العالم مكشوفا بين يدي المتلقي، وستسقط الإلكترونية لو سارت على ذات السياسة.
إذن المشكلة الأولى التي تواجه الصحف الورقية هي عزوف المتلقي الذي يمتلك قدرة جذب الإعلانات، وهي مشكلة حلها يتطلب كيفية إعادة بناء الثقة بينها وبين المتلقي لاستقطابه مرة أخرى، وهو حل أصلي لن يستطيع العقل الصحفي التقليدي تنفيذه، لأن من يصنع المشكلة لا يستطيع حلها، لأن الحل دوما في هكذا مشكلات يحتاج إلى التفكير خارج الصندوق، وهذا حديث آخر.