لأن كل شيء في هذا الكون منظم ومصنف من تلقاء نفسه، فلا يمكن لبني البشر أن يلغوا التصنيف من حياتهم، ذلك لأن أحادية التفكير هي أمر محال إلا في المجتمعات الصغيرة ذات المحدودية الفكرية الضيقة جداً، بينما في المجتمعات الكبرى والتي يقل أن تجد فيها تعليماً محدوداً أو منعدماً، فإن التيارات الفكرية متعددة، حتى أن من يجاهد نفسه ليبقى في خانة حيادية مستقلة عن كل التيارات فإن الناس لن يكفوا عن تصنيفه إما بالمستقل، أو بالحيادي، وربما راج تيار فكري جديد أسموه بتيار الاستقلالية أو الحيادية.
إن مشكلة التصنيف الكبرى التي لم تسلم منها حتى دول العالم الأول وبخاصة تلك الدول التي تنتشر بها الأحزاب السياسية والفكرية وتسود فيها حرية الانتماءات لمختلف التيارات المصنفة والممنهجة والتي تسمح بتعددية الطرح والثقافات، هي إلباس المصطلحات بأصحابها أو المنتمين إليها.
فلا يمكن لك بأي حال من الأحوال أن تتحدث عن الليبرالية بوصفها تياراً فكرياً يحمل في طياته الكثير من المحددات السلوكية والقيم الأخلاقية التي تضمن للفرد حريته الفكرية والسلوكية «المحددة» في المجتمع المدني بأنظمة وقوانين مدنية إلا وانبرى من يحاربها بذكر مساوئ من ينادون بها وينتمون إليها، حتى تكاد تشعر بأنها حرب شخصية ضد أشخاص بعينهم لا تلبث حتى تتحول إلى حرب ضد الفكرة والمبدأ.
الشيء نفسه يحدث عندما تتحدث عن تيار سائد ومسيطر من أواخر السبعينيات حتى منتصف التسعينيات الميلادية وهو تيار الصحوة، قلما أن تتحدث عن ذلك التيار دون أن ينبري من يستهدف قادتها والمنتمين لذلك التيار الفكري بالهجوم الكلامي وتفنيد توجهاتهم ومبادئهم والتشكيك بولائهم وانتماءاتهم.
وهنا تكمن المشكلة الكبرى والخطورة العظمى، أن يتحول التصنيف إلى استعداء، والتأييد الفكري إلى ولاء، وتساق التهم المتعددة بهدف إثبات تهمة الانتماء، فتفسر النوايا، وتكثر الخطوط الحمراء تحت كل قول، بينما الأعين تترصد الأفعال وتقتحم الخصوصيات. وهنا يمكن لي أن أفهم وأتفهم ما معنى أن ينزح كل شخص إلى الاستقلالية الفكرية، بعيداً تحزبات المفكرين والمنتمين والتابعين، وحفاظاً على حقه في الحصول على المستوى الأدنى من الراحة الفكرية والخصوصية الشخصية!
وحتى تكون التعددية الفكرية ظاهرة صحية، والتصنيف ضرورة تنظيمية، فلابد أن نعزل المصطلح بمعانيه عن ممارسات صاحبه أو المنتمي إليه. وحتى لا نقع في نفس الخطأ الفادح الذي وقع فيه الغرب حين ألصقوا في الإسلام ممارسات المتطرفين والإسلام من تلك الممارسات براء.
- عادل بن مبارك الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
@ AaaAm26