د. عبدالحق عزوزي
حملة السكينة للحوار هي حملة أصيلة ومتميزة تابعة لوزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية تقوم بالحوار وعلى رأسه الحوار الإلكتروني مع أصحاب الفكر المتطرف ومن لديهم ميولات ضالة ومضلة نحو تأييد ما يُوصف بالأعمال الإرهابية، وتقومُ فكرة الحملة على الانتشار في مواقع ومنتديات ومجموعات الإنترنت والحوار مع المتطرفين الذين يكتبون بأسماء مستعارة على الشبكة العنكبوتية وغيرها، وذلك عبر فريق عمل مُختلِف التخصصات، يُحقق بتكامله أهداف الحملة عبر الوسائل والأساليب المُناسبة والمؤثّرة، على أن تكون صفة الانتشار والتعامل مع الجمهور صفة شخصيّة وديّة، ومن خلال هذه المواقع والمنتديات يتم بث المفاهيم الصحيحة ومُناقشة الأفكار المُنحرفة، قد يكون هذا النقاش علناً أو عبر الرسائل الخاصّة أو برامج المحادثة الثنائية، ونُركّز على المضمون الشرعي بالإضافة إلى الأدب في الحوار ومُراعاة التفاوت في ثقافة المُخاطَبين.
وقد أرسل إليّ الزميل النبيه ذو السبق الفكري والإستراتيجي، الأستاذ عبد المنعم المشوح، رئيس حملة السكينة لتعزيز الوسطية، بحثاً كان قد أُعد في موضوع: «رؤى وأحلام 11 سبتمبر» وهو موضوع هام وشيق يلخص الظاهرة الإرهابية وبسيكولوجية الإرهابيين الملوثة التي تعتمد على أضغاث الأحلام الواهية، ولكن للأسف الشديد خطرها كبير إذ تأتي على الأخضر واليابس... فتُشكل الأحلام حسب البحث المعد، عنصراً مهماً لدى التنظيمات والجماعات المتطرفة، فهي تستخدمها للتحريض والتجنيد وللتبرير وللاستدلال وللترويح وللتخدير.. فلا توجد جماعة منحرفة إلا وتتعلق بالأحلام والمنامات، وقد تصل بهم حالة (الوهم) وسيطرة اللا وعي إلى تتابع هذه المنامات والأحلام وتكرارها وربما أحياناً تجسيدها على الواقع وكأنها واقع معاش! كل هذا يتعلق بالحالة النفسية والذهنية التي يعيشها أفراد هذه الجماعات، والذين تخلوا عن هدى ونور الشريعة والعقل السليم فوقعوا في ضلال الأحلام والهوى والمنامات والتخيلات والأوهام. نحن ندرك أن من الرؤى ما يحمل إشارة حقيقية لكن لا يقوم على الرؤية حكم شرعي ولا عمل ولا تدل الرؤى على صحة المنهج ولا على سلامة الدين، فالميزان والمعيار هو صحة الاتباع للقرآن والسنة...
يُعد هذا التحليل بحق واجهة من واجهات زيغ الجماعات الضالة، وهي عبارة عن مغناطيس قوي يجذب أبناءنا وشبابنا ويودي بهم وبإخوانهم إلى التهلكة، بل ويجذب حتى أبناء الجيل الثالث من الجالية المسلمة المقيمة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بل وحتى أستراليا. فلا يمكن الاستخفاف بهاته الداهية العظمى ولا الإعذار، فنحن مهددون في ديننا وأوطاننا وتاريخنا وثقافتنا وتواجدنا بين الأمم.... وأسماء تلكم المنظمات هي كلها مسميات لإرهاب واحد حيث يضع مريدوها للانتهازية عنواناً من الدين، ويقدمون للظلم وسفك الدماء البريئة تبريرات من الآيات، ويعطون لأفعالهم وأعمالهم وجشعهم أسماء من الشريعة بل ومن الرؤى والأوهام كما جاء في مقالة السكينة، ويضفون على انحرافهم هالة من الإيمان ويجعلون سفك الدماء ظلماً وعدواناً عملاً من أعمال الجهاد... وهاته أمور ليست من الإسلام في شيء، وإنما خروج عن الدين والعقل وتصرف جاهلي يتشح بالدين ويتسربل بالشريعة لتذوب من خلال هاته الأفعال قيم الإسلام السامية وتمحو بهاته الأفعال مثل القرآن العليا، والإسلام بريء منها.
وما دامت هاته الفرق الداعشية القاعدية تدّعي لنفسها احتكار الحق وتزعم أنها على جادة الإيمان وترمي غيرها باتباع الباطل وأنها كافرة ملحدة بالدين، فإن المشكلة العظمى إذن في عقولها وتكوينها وجهلها، بمعنى أن المنظومة التربوية والتعليمية والتكوينية في مجتمعاتنا أفرزت مثل هاته الفيروسات الخطيرة...
فلماذا لا تقوم منظومتنا التربوية بزرع المبادئ والقواعد الدينية السمحة في أفئدة وعقول الناشئة منذ صغر سنهم، وتزيل عنهم الطغيان في التعصب الديني والتنازع والفرقة والاختلاف، وتشرح لهم خطورة الفهم الحرفي والسطحي والجزئي المتوجس من المقاصد الضابطة لبوصلة النص والحكم الشرعيين، ولماذا لا نزرع فيهم الرؤية المقاصدية الصحيحة التي تعاني من غلوين، غلو معطلة المقاصد باسم النصوص وغلو معطلة النصوص باسم المقاصد، ثم لماذا لا نرتب في أذهانهم منطق الأولويات: الأصول قبل الفروع، الكلي قبل الجزئي، المسالم قبل المحارب وغير ذلك؛ ولماذا لا نحارب في أذهانهم الجهل بأحكام الشرع وأصوله وقواعده ومقاصده السمحة ونعطيهم رؤية شمولية للنصوص والمعالجة المنهجية للأحكام، وهي مسائل يمكن أن ندرسها لمن سيصبح أستاذاً أو طبيباً أو مهندساً أو نجاراً أو حداداً ولأدمجناه بذلك إدماجاً صحيحاً في مجتمعه ولقضينا على سيكولوجية الإنسان المقهور المطعم بأفكار وقناعات دينية ضالة ومضلة... فالمستوى الثقافي عند الداعشيين محدود ومضل وخطير، ينزعون النصوص من سياقها ويسيئون فهم مناطق استعمال القوة في القرآن الكريم ويخلطون مرحلة الدعوة بمرحلة الدولة ويخلطون بين الوعيد الإلهي والمعاملة البشرية ويخلطون الحق بالصواب فتتكون عندهم لا شعورياً عقلية عسكراتية.