رمضان جريدي العنزي
بضعة أيام ونحن في الرياض نحتفل بالمطر بجماله وخيوطه ونداه وضبابه وقطراته، تحولت أرواحنا معه إلى ضفة من السحر والدعة والسكينة والرغبة الجامحة، للمطر واقعية حية وسريالية طرية، حتى أن قطراته النازلة مدربة على تسلق ألوان التشهي، وقادرة على خلق المتعة البصرية الخالدة، التي تبقى عالقة في الذهن ردحاً طويلاً من الزمن، المطر صنعة زينة فنية تستكين الروح وتطرب في حضرته، بصوته وبرقه ورعده، وسحبه الزاهية، وغيومه التي تشبه الخيال، في تلك البضع من الأيام شاركنا الفرحة السهل والجبل والروض والوادي والعصفور والعشب والزهر والفراشة، حاولت قراءة ما يحبل به المطر من أشياء ثمينة وموجودات قيمة ودفء وأحلام وأحاسيس، احتفيت به، وأعدت معه تشكيل ساحته والفضاء، وقت نزوله، وقت هدوءه، وحين ينث من جديد، وكيف يجيء الغيم، وتهطل السحابة، لتحيل معها اللون الرقيق، ليكون لوحة ترقص ألوانها زاهية، تحت ستار ضباب خفيف، ينبعث من تخوم الفضاء الأسطوري، إنها قيم المطر الزاهية، القادرة على خلق المتعة البصرية، أياً كانت، سواء كنت جالسا بمحاذاة الخيمة الأثرية ودلال القوة وأباريق الشاي وموقد الجمر ومسامرة الصحب الراقية، أو ماراً من هناك باتجاه الغيم باحثاً عنه، للمطر قيم وأحلام وخيال وآفاق واسعة، حيث يظهر المطر رقراقاً راقصاً، لقد استطعت خلال تلك الأيام القليلة الماضية أن أحقق لنفسي عالماً خاصاً بي، وذلك من خلال الاشتغال على تيمة المطر وما ينطلي من قيم وجودية وأحلام ودلالات طبيعية وميتافيزيقية، وبالتالي فإن خيوط المطر النازلة على ضوء النيون في طرقات المدينة يطبع في النفس الكثير من التجديد، والاكتشاف والانبجاس الروحي والفكري، وهو ما يمنح نوعاً من البهجة والزهو والفرح والبعد عن الكآبة، وتجعلك ترقص كالريشة، نتيجة خصوبة الحدث وتنوعه وسحره الجذاب، أن للمطر وقع مميز كسحر الكحل في العيون عندما يحيلها إلى فاتنة، وله احتفالية كاحتفالية الفرسان في رحلة بارود باتجاه نخوة عربية فارهة، أن للمطر مسافة وجودية وفلسفية وشاعرية بهية، ولا سيما إذا انبعث هتان وأخذ يراقص الليل والضوء يحيل الفضاء عندها إلى ملمس ناعم حالم، ويشبع المكان والزمان بحالة راقية، في أيام المطر تنتشئ بفرح الطبيعة من تلال وسهول وجبال وأودية، التي بدورها تسهم في زرع الجمال في النفس وجلب السكينة، وتحويل الكلام إلى مفردة تنضح فلسفة، ألوان ومعان ثمينة، وتضفي على الروحنوعاً من الحميمية ومغازلة الضحك والفرح، وتجعل من الناس ينفثون قصائد بلاغية موحية، وفيض من السرد الراقي، الذي يزهر بكثير من الدلالات الكثيفة، حيث المزج بين خيوط المطر والقصيدة ينتج تقنية عالية وفلسفة راقية، وهو ما يعطي الروح نوعاً من المتعة لصيد ملامح الفرح، مما يجعل الروح محملة بفيض تاريخ، وسحر رومانسية، ولمسة عشق، ورقرقة أحلام باذخة، لقد كانت أياما ثمينة في محاكاة المطر أناقته ووداعته طيوره عشبه أشجاره وأزهاره أفقه فضاؤه فراشاته الملونة، أيام وستكبر بعد هذا المطر الخزامى والشيح والقيصوم والنوار والديدحان والزعتر، ستلبس الأرض سندسها الأخضر، وستكون للطبيعة مرايا عاكسة، وألوان حالمة، وسريالية واقعية، سيتمتع البصر، ويبتهج الفؤاد، وسيكون للربيع الآتي ألوان بهية ترسم قفاطين من المودة الوديعة، التي تنفذ إلى الروح وفق احتفالية خاصة ممتعة.