أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: أكتفي الآن في هذه المساحة الْمُحَدَّدةِ لي من منبر (الرأي) بنتيجةٍ مضغوطة جداً عن خلاصة المؤتمر على هذا النحو: ((تضمنتْ توصياتُ المؤتمر الذي حمل عنوان: (من هم أهل السنة والجماعة؟).. وقد حضره شيخُ الأزهر، وعددٌ من كبار رجال الدين من أنحاء العالم: أنَّ أهلَ السنة والجماعة هم الأشاعرة، والماتريدية في الاعتقاد.. وأهلُ المذاهبِ الأربعة في الفقه.. وأهل التصوف الصافي عِلْماً وأخلاقاً وتزكيةً؛ وذلك وَفْقاً للبيان الذي حضَّ أيضاً على إنشاء قناةٍ تلفزيونية على مستوى روسيا؛ لتوصيلِ صورةِ الإسلام الصحيحةِ.. وحكم المشاركون بأنَّ المؤتمر يُمثلُ نقطةَ تحولٍ هامةً ضروريةً لتصويب الانحراف الحادِّ الخطير الذي نال مفهوم أهل السنة والجماعة إثْر محاولاتِ اختطافِ المتطرِّفين هذا اللقبَ الشريف، وقصْرِه على أنفسهم، وإخراجِ أهله منه.. كما حدَّدوا المؤسساتِ الدِّينيةَ السُّنِّيةَ العريقةَ بأنها الأزهر الشريف والقرويين والزيتونة وحضرموت ومراكز العلم والبحث فيما بينها مع المؤسسات الدينية والعلمية في روسيا الاتحادية.
قال أبو عبدالرحمن: مع ما في هذا النقد الكريم من إنْصافٍ إلَّا أنه أَغْفَلَ ما هو الْقِمَّةُ في أَحَقِّيَّةِ الإنصافِ؛ وهو حُكْمُ الدَّوْلَةِ العربية السعوديةِ في جزيرة العربِ؛ وهي دوْلَةٌ لم تَقُمْ على عصبيةٍ عشائرِيةٍ، ولا على عصبيَّةٍ وطنِيَّةٍ، ولا على منافِعَ مادِيَّةٍ.. بل كان الذين قاموا مع محمد بن سعود، ثم مع تركي بن عبدالله، ثم مع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل رحمهم الله تعالى جميعاً: هم شرائحَ المجتمَعِ مِن البادية والحاضِرَةِ ؛ وليسوا هم عشيرةَ آل سعود التي لا يبلغ مِن عددها ومددِها ما يُـحَقِّق النصر؛ بل حاربوا الأقاربَ الأدنين الذين كانوا أوَّلَ الأمرِ معارضين الدعوة.. وكان شعارُ عبدالعزيز بلهجة العامَّةِ الذين هم أغْلَبُ جُنْدِه: (صِبِيّْ التوحيد وانا اخُوْ مَنْ طاعَ اللهْ) .. وما قاموا مع عبدالعزيز وأسلافه رحمهم الله تعالى مِن أَجْلِهِم أنفسهم؛ بل من أَجْلِ أوَّلِ دولةٍ إسلاميةٍ قامَتْ في جزيرة العرب منذ جهاد خالد بن الوليد رضي الله عنه؛ فاجْتَمَعَ شَمْلُ الدولَةِ عِرْقاً ووطناً لأوَّلِ مَرَّةٍ على كلمةِ الإخلاص لله رب العالمين، وتواترتْ الروايةُ من شرائح المجتمع كُلِّه على استحضار دعاء الملك عبدالعزيز على نفسه:(اللهم إن كان في قيامي عِزٌّ للإسلام وأَهْلِهْ فمكِّنِّي، وإن كان فيه ذِلٌّ لأهل الإسلام فأخذلني)؛ فعامَلَه الله على سريرتِه، وَمكَّن الله له؛ وفاضَ عليه الذهبُ الأسود (البترول)؛ فحقَّقَ به كفايَةَ المسلمين داخِلَ جزيرةِ العرب وخارجِها؛ وكل ذلك حقَّقْتُه في كتابي عن الملك عبدالعزيز وفي قصيدة لي يأتي الحديث عنها إنْ شاء الله.
قال أبو عبدالرحمن: وإذا قلتُ: (إنَّ سُكَّانَ جزيرة العربِ بإطلاق لم يقوموا مع عبدالعزيز من أَجْلِ عبدالعزيز): فإنَّ البديل الذي هو الْمَسَوِّغُ للقيام معه: أنهم عاشوا آثار دولة أَظْهَرَتْ دينَ الله ؛ فحصل الأمْنُ والرَّغد، وتحقَّقَ معنى الأُخُوَّةِ، والْـتَقَى النشازُ الْـعِرْقي الذي أبْدَعَ قَتْلَ المئات بل الآلاف مِن فرسان العرب؛ إذْ كان بأس العرب بينهم شديد .. الْتَقى ذلك النشازُ بِقوْمِيَّة دين الله سبحانه وتعالى بِصِفَةِ أنَّ العربَ هم الْمُبَلِّغُونَ أُمَمَ الأرض من المسلمين غير العرب؛ وبصفتهم أهلَ الحرمين الذين يتلَقُّون معانِيَه مُعَلَّلَةً بِمُلْتَقَى المعتمرين والحجاج من مشارق الأرضِ ومغاربها وفيهم أَجِلَّاءُ من العلماء.. ولأنَّ عبدالعزيز انْعَتَقَ من جحيم الحربين الكونيَّتَين بعقل حصيفٍ جمع بين مُهِمَّةِ نشْرِ الدين وحصافَةِ السياسة ؛ ليتفادى التدخُّلَ الأجنبي في بلدان المسلمين؛ ولهذا كان كريماً في رَسْمِ حدودِ مملكته مع أشِقَّائه مُـخَيِّباً كيدَ بعضِ الدول الأجنبيَّةِ التي أرادت استنزافَه بحربٍ في الأردن واليمن والكويت وقطر.. وإلى لقاءٍ في السبتِ القادِم إنْ شاء الله تعالى, والله المُستعانُ.