خالد الربيعان
العـقاب !
لِلوَهْلة الأولى ترى ثلاثة طيور جميعهم لا يختلفون شكلاً ! قد تُسمِّي الجميع نسوراً ، أو صقوراً! لكن بعد مُدّة من التدقيق تعرف أن هذا نسر ، هذا صقر وهذا عُقاب !
والفرق بينهم شاسع والجمع بينهم باسم واحد يظلم العُقاب مثلاً الذي يُعتبر رمزاً للشجاعة والمهارة وحدّة البصر ( رؤية ما لا يمكن للجميع رؤيته ) ! وتشبيهه بالنسر الذي يعتبر من أجبن الكائنات ولا يتغذى إلا على الجيف: ظلم له طبعاً !
لماذا أذكر هذا ؟! لأنّ على البعد الجميع يمارس كرة القدم ! جميع الدول ! وتقول في بالك أنّ إنجلترا مثل فرنسا مثل كوريا ! ولكن الأمر على الجانب الدقيق ليس كذلك ! فهناك العقاب الخاص بهذه الصناعة وهم الألمان ! أولئك الذين يرون ما لا يمكننا رؤيته !
كيف أعدّ هؤلاء الناس خطة في النهوض بصناعة كرة القدم لتكون النتائج كما رأوها بعد 10 سنوات بالنص !
الغريب أن ألمانيا نهضت كروياً في مدة قصيرة ومن أشلاء خطط خارجية مقصودة للإفساد ! فالكرة كانت تسير بشكل عادي إلى أن جاءت الحرب العالمية الثانية ، وانهزمت ألمانيا وتم احتلالها وتقسيمها ! ، فكيف نهضت لتكون كذلك في 50 سنة فقط !
فكك الحلفاء المنتصرون جميع المنظمات الألمانية الناجحة ومنها منظومة كرة القدم والأندية أيضاً ! ، الألمان صمموا على الانتقام ولكن بالإنجازات فقط وبإثبات النفس !
رابطة الدوري الألماني هناك تقوم كل فترة بإنشاء مذكرات استراتيجية يتم تنفيذها فوراً بحذافيرها ، وكلها تدور حول « كيفية النهوض بالكرة الألمانية» !
الحكومة الألمانية هناك تشجع الخصخصة ولكن بطريقة ذكية وتخدم الهدف القومي والوطني ، فهناك قانون يحظر على أي فرد امتلاك أكثر من 50% من أي نادٍ ! وهذا معناه أن الأجانب الأثرياء لا يمكنهم السيطرة على الأندية التاريخية التي تعتبر ثروة ألمانية .. ملكاً للشعب الألماني !
في 2001 اجتمع ممثلون الاتحاد الألماني مع رابطة الدوري الألماني مع 36 نادياً وأقروا هذه الخطة ! إلزام الأندية ببناء أكاديمية للناشئين داخل كل نادٍ ! فأصبح حجم الاستثمار من الأندية على أكاديمياتها نصف مليار يورو منذ 2001!
البنية التحتية !
كل نادٍ له ستاد للمباريات وملعب للتدريب ومرافق ومتاجر ! وتبلغ قيمة أصول الأندية الثابتة الملموسة - أي الموارد المملوكة بغرض الاستخدام وليس التجارة - 986 مليون يورو فقط، أي ان الكرة الألمانية تحقق كل هذا النجاح ببنية تحتية سليمة ، وبتكاليف منخفضة !
أندية ألمانيا تتعاقد مع الرعاة ليس بعقود محددة المدة فقط كما تفعل الأندية الأخرى ، بل تجعلهم شركاء في ملكية النادي لمدة محددة لتضمن عدم سيطرتهم ، وأيضاً ليكون نجاح الراعي من نجاح النادي فيعمل بكل طاقته! ، وبذلك تكون الأندية وظفت الرعاة في خدمتهم هم !
«رينهارد روبال» رئيس رابطة البوندزليجا بعد كأس عالم 2010 - فازوا وقتها على أستراليا 4 صفر ، على أورجواي 3 صفر ، على إنجلترا 4 صفر وعلى الأرجنتين 4 صفر! - وحصول ألمانيا على ثالث العالم للمرة الثانية على التوالي، قال في كلمته: « لقد شاهد العالم المنتخب الألماني الوطني يقدم كرة جميلة وهجومية بأسلوب رائع - بمنتخب ألماني بنجوم شابة ، معدل أعمارهم تحت الـ25 ! ، تحت قيادة مدرب وطني هو يواكيم لوف! كل هذا يثبت أن ما اتفقنا عليه مع 36 نادياً ألمانياً منذ 10 سنوات كان هو الصواب»!
والذي حدث بعد هذا أنه ومنذ عامين نفس اللاعبين فازوا بكأس العالم 2014 بالفعل في البرازيل !
أخيراً الألمان طبقوا ببعد نظرهم وبالتخطيط البعيد المدى الحكمة التي تقول « بصره أشد حِدَّة من العقاب» ! فليس غريباً - بالمناسبة - أن يكون هذا الكائن بالذات رمز الدولة .. ورمز منتخبها الوطني !