د. عبدالرحمن الشلاش
نشرت جريدة الجزيرة في عددها الصادر يوم الاثنين الماضي الموافق 28 /2 / 1438 وفي صفحتها الأخيرة خبراً عن قيام «نزاهة» بالرفع للمقام السامي بمخالفات تعاقد مع موظفين برواتب عالية في 10 وزارات على خلفية توظيف ابن أحد الوزراء.
نزاهة شكرت وسائل الإعلام ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على ما قدموه من معلومات مفيدة، وطالبت الجميع بالتعاون معها. هنا سأقف عند العبارة الأخيرة وأطرح هذا التساؤل، لماذا تطالب هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» وسائل الأعلام والمواطنين بالقيام بمهام هي أساساً من واجبات الهيئات الرقابية، مثل ديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، ودوائر الرقابة والتفتيش في الوزارات؟ إذا كانت نزاهة تعتمد فقط على ما يردها من مواطنين أو موظفين أو إعلاميين أو ناشطين في مواقع التواصل فهذا يعني أن هناك قصوراً ما في أعمال الأجهزة الرقابية التي ذكرت، أو أن هناك مخالفات لا تستطيع هيئات الرقابة رصدها لأسباب مختلفة!
روائح الفساد لدينا لا تنبعث من نوافذ تلك الأجهزة الحكومية، ولا تخرج مع أبواب المكاتب. قد تظل مطمورة لسنوات حتى يطرأ ما يحركها ويثير الزوابع حولها. اعتاد كثير من الموظفين وربما تربوا على ذلك فما دام الأمور سمن على عسل بينهم وبين رئيسهم فكل شيء يمر بسلام. الرئيس سيظل مسكوتاً عنه حتى يصدر منه ما يعكر الصفو، فإن أراد مساءلة الغائب، ومعاقبة المخالف، والتحقيق مع المقصر فقد فتح على نفسه أبواب جهنم. عندها ستنقلب الأحوال في الجهاز الهادئ الوادع، وسيسعى كل متضرر من إجراءات المدير لجمع كل الأدلة التي تدينه وترميه وراء الشمس! بل ربما كونوا فريقاً لجمع كل شيء عن صديق الأمس عدو اليوم توطئة لرفعها للجهات العليا في الجهاز، أو لهيئة مكافحة الفساد!
للأسف لا تفوح روائح الفساد الذي أضر بالعمل إلا بعد أن تخرب مالطة بين المدير الذي بيته من زجاج وبين موظفين ساكتين راضين إلى أن مس رئيسهم مصالحهم، وفسادهم الخاص بهم من تأخر وغياب وحصول على انتدابات وخارج دوام دون وجه حق عندها ثاروا ليس دفاعاً عن حق وكشفاً عن فساد وأوضاع خاطئة وإنما انتقاماً من رئيس جر البلاء لنفسه لأنه فاسد في ذاته!
أي أن الأمر يخضع للأهواء، ونفس الشيء فمن هم خارج الجهاز أشد وأنكى فتصريح مسؤول لا يوافق أهواءهم يجعلهم يتحركون في كل اتجاه لإدانته. السؤال لماذا تنتظر الجهات الرقابية بما فيها نزاهة إلى أن تفوح روائح الفساد بعد أن يفضحها الآخرون؟