د. محمد عبدالله الخازم
نحن مع توجهات الرؤية الاقتصادية في تقليص الاعتماد على النفط كمورد وحيد وزيادة إنتاجية وكفاءة القطاع الحكومي. وتبقى الملاحظات هنا أو هناك متعلّقة بالخطوات والأساليب والمقومات بغية البحث عن الطريق الأمثل للوصول إلى الرؤية وغاياتها. هذا محل تقدير من قبل المعنيين، حيث إن الطرح الشفاف هو ما بدأت به الرؤية حين إعلانها من قبل مهندسها سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
تقليص الإنفاق الحكومي بإيقاف كثير من المشاريع ومحاولة زيادة الموارد، يبدو أنه يقود بشكل ما أو بآخر إلى إحداث ركود اقتصادي لأننا بلد تركيبته الاقتصادية بُنيت على مبادرة الدولة ودعمها للقطاع الخاص. هذا أمر طبيعي، حيث تبادر الحكومة بطرح الأفكار والدراسات الأولية ووضع التشريعات للمبادرات الوطنية الكبرى قبل أن تدفع بها للقطاع الخاص للقيام بالاستثمار والتنفيذ. البنية التحتية التنموية بمفهومها الواسع ما زالت تحتاج للكثير في بلادنا على المستوى الوطني، وإن كانت تبدو متميزة على مستوى بعض المدن.
لا يوجد لدينا شبكة قطارات متميزة، غالبية المناطق بحاجة إلى مشاريع صحية كبرى، أغلب الجامعات لم تكتمل بناها التحتية، مشاريع السياحة ليست على ما يرام، أغلب المناطق تفتقد الملاعب والمنشآت الرياضية والشبابية المناسبة، الصناعة غير موزعة على كافة المناطق، المطارات تحتاج عمل كبير لتطويرها، الطرق البرية تحتاج لأعمال تطوير وصيانة، البيئة تعاني كثير من الإهمال... إلخ.
هذا ليس عيباً فنحن بلد في طور النمو، وقد بدأنا وعملنا الكثير في عقود قليلة، لكننا ما زلنا بحاجة للكثير والتنمية عموماً عملية مستمرة. الرؤية الاقتصادية وضعت كثيراً من تصوراتها بناءً على فرضية اكتمال البنى التحتية، لذلك أوقفت بعض المشاريع وبرز مفهوم الخصخصة مرتبطاً ببيع خدمات مكتملة. كالسعي نحو خصخصة الخدمة الصحية وكأن بنيتها من المستشفيات والأسرة والكوادر مكتملة، ومثلها التعليم والتحلية والنقل وغيرها. ولذلك ينتابنا قلق من تراجع العمل في مشاريع التنمية الكبرى المتعلّقة بالبنى التحتية واستعجالنا البحث عن العائد مما هو موجود من خدمات غير مكتملة في الانتشار والنوعية والحجم.
التنمية مسؤولية الدولة، والطفرات التنموية تحدث عندما يكون هناك حزمة مشاريع كبرى وعملاقة، مع التقدير لكل المبادرات الأخرى. لقد جربنا ذلك بنجاح في المشاريع الكبرى للكهرباء وسابك والطرق الجامعات وغيرها، حينما استقطبنا الشركات لبناء تلك المشاريع التنموية العملاقة. لذلك نحن بحاجة إلى رؤية للمشاريع الكبرى والعملاقة؛ كأن يكون لدينا رؤية عظيمة لربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب عن طريق القطار، تأسيس عشرين مستشفى جديد بسعة 10000 سرير، بناء عشرين جامعة ما زالت بعض مشاريعها متعثرة، تأسيس موانئ ومدن صناعية ورياضية جديدة... إلخ. مثل هذه المشاريع الضخمة ستدعم الثقة في الاقتصاد وتدفع بعجلته إلى الأمام وستسهم في التوظيف وغير ذلك من الإيجابيات. وبعضها لن يكون مكلّفاً على خزينة الدولة، كما سنعرض في المقال القادم...
يتبع