د. عبدالواحد الحميد
يظل شح الماء في بلادنا هو المحدد الرئيس للتنمية، بالرغم من أهمية المحددات الأخرى؛ لذلك كان المنتدى الذي أقامه مركز عبدالرحمن السديري الثقافي بالجوف تحت عنوان (الماء في المملكة: الواقع والحلول) في نهاية الأسبوع الماضي مهمًّا للغاية، وبخاصة أن منطقة الجوف تُعتبر من المناطق البارزة زراعيًّا؛ ما يوفر خلفية متوازنة للنقاش؛ إذ يغيب أحيانًا عن نقاشاتنا حول شح الماء جانب حيوي، هو: أهمية النشاط الزراعي بالنسبة لبعض المناطق ولبعض الشرائح الاجتماعية.
ناقش المنتدى واقع المخزون المائي، ومصادر المياه في المملكة، وواقع الاستهلاك الفعلي للمياه؛ كما ناقش الحلول ودور التقنيات الحديثة. وشارك في النقاش أكاديميون ومسؤولون وبعض المهتمين بقضايا الزراعة والمياه، مثل الدكتور محمد القنيبط والدكتور عبدالعزيز الطرباق والدكتور حزام العتيبي والدكتور عبد رب الرسول العمران والدكتور خالد الرويس، وغيرهم.
وبطبيعة الحال، فإن شح المياه في بلادنا حقيقة مؤكدة، ندركها جميعًا؛ ففي معظم أجزاء بلادنا يكاد ينعدم السقوط المنتظم للمطر، ولا توجد أنهار أو بحيرات. وقد ظل شح المياه موضوعًا مطروحًا للنقاش منذ عشرات السنين حتى أننا فكرنا في بعض الأوقات في استيراد جبال الجليد لمواجهة هذا الشح!
لكن الموضوع المرتبط بهذا النقاش، ويمثل الجانب الآخر له، هو أن بعض مناطق المملكة تتمثل مزاياها النسبية من الناحية الاقتصادية بالنشاط الزراعي. ففي منطقة الجوف، التي شهدت فعاليات المنتدى، يعتبر إنتاج التمور وبعض المحاصيل الزراعية الأخرى نشاطًا تقليديًّا منذ آلاف السنين. وفي السنوات الأخيرة أصبح إنتاج الزيتون نشاطًا أساسيًّا ضمن أنشطة الزراعة.
وهنا يثور تساؤل مهم، هو كيف نحافظ على الثروة المائية دون أن نقضي على النشاط الاقتصادي الرئيسي في مناطقنا الزراعية؟ كيف نعثر على المعادلة الاقتصادية والإدارية والتقنية التي تحقق لنا ترشيد المياه دون أن تقضي على النشاط الاقتصادي الأبرز في بعض مناطق المملكة، وبخاصة تلك التي تتوافر فيها مياه جوفية متجددة أو شبه متجددة، وهي الحالات التي يكون فيها الحقن المائي مساويًا للاستنزاف أو أكثر؟ وكيف نختار المحاصيل المناسبة التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه؟ وكيف نستفيد من التقنيات الحديثة التي تقلل نسبة الهدر من المياه؟
لقد تطرق المنتدى لهذه القضايا، وتفاوتت الآراء والمداخلات، لكن إحدى النقاط المهمة التي برزت أثناء النقاش هي أن الترشيد رغم أهميته القصوى يجب ألا يلغي أهمية الجوانب الأخرى التي تعني الكثير بالنسبة لبعض المناطق الزراعية في المملكة وبعض الشرائح الاجتماعية؛ وهو ما يتطلب مضاعفة الجهود من قِبل جامعاتنا ومراكزنا البحثية وعلمائنا للوصول إلى حلول ملائمة لبيئتنا وظروفنا.