هدى بنت فهد المعجل
ينبغي أن نؤمن جميعاً أن من يتمتع بطبيعة متعطشة للحق يأبى أن يستسلم إلى تقليد مجتمعه الذي نشأ فيه وبالتالي يستدير تاركاً خلفه تلك النسخة المكررة للشخصية التي يتوجب عليها أن يكونها..!!
الشخصية الكربونية وجودها أشبه بمياه راكدة خطرها على البيئة ملاحظ، فمن الملاريا إلى حمى الضنك واستئناس البعوض بتلك المياه المرتع الآمن له..!!
المياه الراكدة توفر حضانة أفضل من المياه الجارية لأغلب أنواع البكتيريا والطفيليات، وقد نجدها في الشخصية الكربونية، الصورة طبق الأصل!! وإن اعترضت على وصف الـ(صورة) بأنها طبق (الأصل) لاعتبارات عدة، حيث إن الصورة ساكنة والأصل متحرك، الصورة جماد والأصل روح، الصورة مسطحة والأصل متجسدة، الصورة تغيب عنها سنوات وتعود فتجدها حيث تركتها أما الأصل فلن تجده كما تركته قبل سنوات وقد عصفت به عوامل التعرية (العمرية)!! إذاً فالصورة ليست طبق الأصل بعد دقيقة من استخراجها فكيف وقد مضت بالأصل الحياة.. كذلك فإن التعبير غير دقيق البتة، إلا أننا نتداول سوء التعبير منذ أمدٍ طويل، ونسعى أن نصنع من الشخص صورة طبق الأصل من الآخر!!
الابن صورة طبق الأصل من أبيه، الابنة صورة طبق الأصل من والدتها، الأخ من أخيه، والأخت من أختها.. والفرد نريده طبق الأصل لـ(مجتمعه) وإن سكنته الطفيليات واستوطنته البكتيريا.
يمكن انقسام الفول عن نصفين توأمين واحتمال وجود فوارق، وارد وبالتالي لا يمكن رفض التطابق الفطري أو الطبيعي. ما نقف دونه فرض التطابق الجامد كتطابق الخلف مع السلف تطابقاً دقيقاً، حذو القذة بالقذة!!. ويدخل في ذلك العلاقات التي تتأسس مع الآخرين دون الاعتماد عليهم اعتماداً كلياً، فإذا نشأت علاقة حب يفترض ألا تكون ضرورة بأن تمتلك من تحب أو يمتلكك. في الامتلاك غيرة كما وفي الامتلاك فرض التوأمة الفعلية دون التوأمة الروحية أو الفكرية التي لا يمكن فرضها. التوأمة الفعلية أشبه بظل الشخص.
تصور أنك (الشخص)، وصديقك (ظل الشخص) ثم صف لي حياتكما؟
الحكيم (شوانغ تزو) قال: ثمة رجل منزعج من رؤية ظله ومستاء من وقع خطواته، لذا عزم على التخلص منهما. ولقد اتبع وسيلة للهرب منهما، لكن أسلوبه باء بالفشل. فتذرع في فشله هذا بأنه لا يركض بالسرعة الكافية. فركض أسرع وأسرع وبدون توقف إلى أن سقط ميتاً. لكنه أخفق بأن يدرك أنه إذا وقف في الفيء، فسوف يختفي ظله، وأنه إذا جلس دون حراك فسوف يزول وقع قدميه.
الحكمة ترمز إلى شيء ما لكن ما يعنينا موقف الرجل من ظله الملازم له وكونه مصدر قلق له!! هكذا الأصل والكربون!!
من يستطيع العيش في جلباب أبيه؟ أو بشت صديقه؟ أو عباءة والدتها؟ أو فستان أختها؟!!
الجلباب يتهرأ فيستبدل بآخر أيضاً البشت والعباءة والفستان.
العيش في جلباب الأب أو الإصرار على تطابق الصورة أو الكربون مع الأصل مطلب عقيم إن أنصتنا إليه وإلى الآخرين حول ما يتوجب أن نكون عليه أهدرنا حياتنا وأسكتنا صوتنا الداخلي الرافض للركود والمتعطش للحقيقة حيثما كانت وكيفما بدت.