عماد المديفر
ما حك جلدك كظفرك، والأخطار المحدقة بدول مجلس التعاون في ازدياد متسارع لا ينكره إلا جاهل، وهي أخطار مباشرة على جميع مكوناتها دون استثناء، وإن توهم أي من أبناء دول المجلس بأن دولته في معزل عن هذه الأخطار؛ فهو مخطئ، وعليه أن يعود لما يسمى بنظرية «الدومينو Domino»، وأن يعلم أن المطامع والتهديدات غير متوقفة على بلد، فالمسألة عند قوى الشر والطائفية والإرهاب لا تعدو أولويات وتكتيكات.. أما الاستراتيجة فثابتة، وشاملة..
وتتنوع هذه الأخطار والتهديدات والتحديات ما بين فكرية وآيديولوجية، وتعليمية وصناعية وصحية، واقتصادية وتنموية، وأمنية وعسكرية. فهذه المخاطر ممتدة على نطاق واسع، انطلاقاً من استهداف المصالح العليا المعنوية (كالهوية والعقيدة، والسعي للعزل عن الحلفاء) وصولاً إلى استهداف المصالح العليا لدول المجلس (كالأرض، والسكان، والبقاء، والأمن والأمان).
إن التحديات والمخاطر التي تواجهها دولنا ليست خارجية فقط، أو داخلية فقط.. بل هي داخلية وخارجية في آن.. ولربما تحالف الداخلي مع الخارجي، كما هو المثال الظاهر للعيان في تحالف قوى ومجاميع التطرف والإرهاب ونظام ملالي الرجعية والظلام في طهران.. إنْ بطورها المعلن عبر الميليشيات الإرهابية الطائفية الشيعية كحزب الله، وفاطميون، وبدر، وعصائب الحق، وأنصار الله، وأبوالفضل وفيلق القدس وشبكات التجسس غيرها.. أو بطورها الأقل علانيةً عبر الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش وطالبان وغيرها..
إن هذه التحالفات، وهذا الدعم الذي يقدمه نظام ولاية الفقيه إلى هذه المجاميع الإرهابية المثبت بالأدلة والوثائق كما يذكر مسؤولون في وكالة الاستخبارات الأمريكية، وكما تذكر أجهزتنا الأمنية، وكما يذكر «دانيال بيمان» أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة «جورج تاون» الذي يقول إن إيران «تستخدم الإرهاب» وتدعمه وتمارسه لتحقيق أهدافها التوسعية، وبسط سلطتها عبر عملائها، سنة وشيعة.. وكما هو المثال الظاهر في دعمها اللوجستي لتنظيم القاعدة في أفغانستان، وفي العراق الذي تحول لما يسمى بتنظيم داعش، ودعمها للظواهري وابن لادن والزرقاوي.. الذي كشفته وثائق «أبوت أباد»، وقبلها، وتحديداً في 2006م حين أعلنت القوات الأمريكية في العراق القبض على مجموعة ضباط إيرانيين، وبحوزتهم ما يثبت ضلوع إيران في نشاطات إرهابية داخل العراق، وارتباطها بالتنظيمات الإرهابية السنية والشيعية على السواء، وصلة «فيلق القدس» بقيادات القاعدة في بلاد الرافدين -قبل أن يصبح داعش-. وهو ما يفسر ما أعلنته شركة تويوتا في وقت سابق عن شراء نوري المالكي -حين كان رئيساً للعراق- لعشرة آلاف سيارة دفع رباعي، وجدت بحوزة «داعش»، وما أعلنه هاربون من القاعدة في اليمن حين اكتشفوا الدعم والتواصل بين «أنصار الله الحوثيين» وقيادات ما يسمى بالقاعدة في جزيرة العرب، وغيرها من الحوادث والأدلة.. جميع ذلك يدعو للسؤال المنطقي البسيط والكاشف: ما الذي تريده إيران من دعمها للتنظيمات الإرهابية، واستخدامها وتوظيفها؟
إنها باختصار، ليست سوى أداة واحدة من أدوات هذه الدولة الميليشاوية، لاستهداف الدول العربية، وصولاً إلى دول مجلس التعاون.. التي قطعاً لن تغزوها إلا عبر هذه التنظيمات التي تزرعها في داخلها، وحول حدودها.. حتى أصبحت تتحكم في دول عربية كبيرة من خلالها كما أعلن ذلك صراحة قادة إيرانيون في لحظة نشوة حين صرحوا بأنهم يحتلون أربع عواصم عربية - بغداد، دمشق، بيروت، صنعاء- عبر تلك المجاميع والأحزاب والتنظيمات والمليشيات المسلحة.
إننا في زمن التكتلات.. والقوة.. إذ لا مكان لضعيف، أو متردد..
واليوم، تعي شعوب دول مجلس التعاون خطورة هذه التهديدات المحدقة، الإقليمية والدولية، أكثر من أي وقت آخر.. وتؤمن بأهمية الوقوف في وجهها صفاً واحداً للحفاظ على مصالحنا العليا، وأنه آن لنا أن نتحول من صيغة التعاون إلى الاتحاد، لحماية مستقبل دولنا وأجيالنا وأمننا ووجودنا..
وحيث إن «أمام دول المجلس فرصة عظيمة كتكتل ليصبح أكبر سادس اقتصاد في العالم» كما ذكر سمو سيدي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله-، وكما تناقلته على لسانه وسائل إعلام دولية، وعلى نطاق واسع، من أقاصي الشرق، إلى أقاصي الغرب.. وتناوله المحللون الدوليون بكثير من الاهتمام المبني على ما قد يخلقه هذا التكتل من تطور مهم في الاقتصاد العالمي؛ فلنبدأ بالشأن الاقتصادي، الذي هو جوهر العمل السياسي.. وليكن التكتل الاقتصادي والخدمي نواة للاتحاد الكامل.
إننا كشعوب خليجية، نتطلع لإعلان قاداتنا تشكيل الاتحاد الخليجي.. اليوم.. اليوم.. وليس غداً!
وإن ما تحدثنا عن الاتحاد بصيغته الكاملة.. فليس شرطاً أن تنظم حالاً جميع الدول الست.. فما أعظم أن يُعلن عن اتحاد دولتين أو ثلاث ولتلحق بها بقية شقيقاتها في الوقت الذي تراه مناسباً.. مع استمرار مجلس التعاون، إلى اكتمال عقد الاتحاد.
هذه فحوى رسالتنا كشعوب خليجية لقادتنا العظام في اجتماع القمة الخليجية المزمعة في مملكة البحرين الشهر المقبل.. من خلال وثيقة «مؤتمر الاتحاد الخليجي.. مستقبل ومصير» التي تشرفت بالتوقيع عليها بمعية العديد من مواطني دول المجلس.. والمتاح التوقيع عليها لجميع المواطنين الراغبين في اتحاد دولنا الخليجية الشقيقة ورفع ذلك للقادة، وذلك عبر الرابط http://nua.bh/?page_id=2884.. وليتحقق حلم ملكنا الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، -رحمه الله- للانتقال بالمجلس من مرحلة التعاون إلى الاتحاد.