ياسر صالح البهيجان
سيل من المعلومات والأنباء ترزح بها شبكات التواصل الاجتماعي على مدار الساعة، معها يتحوّل أي إنسان إلى وكالة أنباء متنقّلة ينتقي وفقَ أيدولوجيّته وثقافته ما يشاء دون إخضاع المنشور - في الغالب- لمبادئ المهنيّة وحتميّات المصداقيّة وما تفرضانه من ضروريّات تتمثل في التحقق مما يقوله المصدر، وآليّات انتقال الخبر من مراحل الاستتار إلى مرحلة العلن.
كل فرد يمتلك معرّفًا في تلك الشبكات أشبه بحارس البوابة، إمّا أن يسمح للمعلومة بالمرور والانتقال إلى البوابات الأخرى، أو يقرر أن يضع لها حدًا ويمنعها من المضي عبر بوابته، على الرغم من أن الواقع الراهن يكشف عن أن معظم حرّاس البوابات لا يبالون بالسماح المطلق لعبور المارّة من أمامهم دون طرح الأسئلة أو البحث في الجوهر.
أوّل من طوّر نظريّة «حارس البوابة» هو كيرت ليوين، وركّز في دراسته على القائم بمهام الاتصال والتواصل، وخلُص إلى أن أي رسالة إعلاميّة تمضي عبر سلسلة متتالية من الحلقات، في كلّ حلقة يوجد فردٌ قادر على اتخاذ القرار، إمّا بعبور الرسالة كما هي، أو مرورها بعد معالجتها وإعادة تشكيلها أو أن يختار منعها التام من العبور، واعتبر ليوين أن كل حلقة من هذه الحلقات هي بوّابة، وأي إنسان بإمكانه التحّكم بالمعلومة يُعد حارسًا لها.
وحددت نظريّة «حارس البوابة» ستة عوامل رئيسة مؤثرة في اتخاذ الحارس لقراره، تتمثل في خصائصه الشخصيّة، والجماعات المرجعيّة، والضغوط المهنيّة، وطبيعة العلاقة بمصادر المعلومات، والتأثر بالسياسات الخارجيّة والداخليّة، وتوقعات الجمهور، وأوّل من اختبر النظريّة هو ديفيد وايت عبر دراسة نُشرت عام 1950، والتي كان عنوانها «حارس البوابة: دراسة حالة لانتقاء الأخبار».
ومع تأسيس شبكات التواصل الاجتماعي، عادت النظريّة مجددًا إلى الواجهة، وتحديدًا في الدراسات الإعلاميّة المعاصرة، إذ لم تعد الإشارة لحارس البوابة مجرد دلالة رمزيّة بل استحالت إلى واقعًا امتلك من خلاله الفرد القدرة على تحديد مصير المعلومات والأخبار، وأحيانًا يصل الحد إلى إمكانيّة اختلاق المعلومة والخبر لأهداف وأغراض متعددة، ومنها تنتج الشائعات عبر معرّفات وهميّة تغيب معها هويّة المُرسل وتولد بها الرسالة الكاذبة.
في الصحف الرصينة يمثّل حارس البوابة سدّا منيعًا أمام المعلومات والأنباء الواهية، وعادة ما يمتلكُ تأهيلا مهنيًا يمنحه القدرة على مساءلة المصادر والوصول إلى نتيجة على ضوئها يتخذ قرار النشر من عدمه؛ لإدراكه بأن مسؤولية انتشار الخبر إن كان خاطئًا ستقع على عاتقه، أمّا في شبكات التواصل الاجتماعي فإنه في الغالب لن يضطر أحد إلى تحمّل كلفة نشر المعلومات غير الصحيحة.
غياب مبدأ المحاسبة فيما ينشر في الشبكات الاجتماعية أوجد أرضيّة محفّزة لحراس أبواب ليس لديها وعي كافِ بخطورة سيادة الفوضى الإخباريّة وانعكاساتها السلبيّة على استقرار المجتمع، وهو واقع يفرض على الجهات الرسمية المسؤولة سنّ القوانين الصارمة ليعيد الحارس حساباته قبل أن يسمح لأي معلومة بالمرور من أمام بوابته.