فهد بن جليد
على ذمة تُجار النُكت في مصر، يُعد الفنان عادل إمام والفنان سمير غانم من أكثر الزبائن عند هؤلاء (المونولوجست) من أجل اكتشاف (الإفيهات) واستخدامها في أعمالهما الفنية، والأمر ليس جديداً، فقد اشتهر عن إسماعيل ياسين وشكوكو في السبعينيات بأنَّهما يشتريان النكتة من بواب السينما المصرية عبدالغني النجدي (بجينه واحد) كتسعيرة ثابتة في كل الأعمال الفنية!
(النوكتجي) في العالم العربي لن يغلب كثيراً، فهو يستطيع التقاط هموم الناس ومشاكلهم في النهار (بعين فاحصة) و(أذن صاغية), ليعود ويصنع منها وصفاً ومتنفساً -لحالهم- بصيغة مُضحكة وقالب ساخر، ففي الغالب نحن نضحك على أنفسنا وهمومنا، كمحاولة للتمرد على واقعنا المعاش دون ملاحقة قانونية على رأي الزميل الرشيق (عماد الدين أديب)، الذي يُعرِّف أيضاً النكتة علمياً: بأنها وسيلة للتنفيس والسخرية من النفس أو من الغير للتعادل مع حالة الاكتئاب، لذا كثرت نكات المصريين تحديداً لكثرت همومهم، وتوفرُ وسائل التعبير بأشكال مُختلفة، حتى بات عندهم (مقاه خاصة) لبيع النكت وتصديرها!
أنزعجُ كثيراً عندما أسمع من يقول إننا السعوديين من الشعوب (النكدية) تبعاً لبيئتنا الصحراوية القاسية، فتجد المواطن (عابسا، مكشرا، رافعاً خشمة، مستعدا للدخول معك في جدال عابر قد يتطور لشجار واشتباك دون أن تعرفا بعضكما.. إلخ) وأن التغيرات الاقتصادية في السنوات الأخيرة هي من صنعت جيل (النكتة والإفيه)، وساعدت في ظهورها كحالة تطور مشابهة لما تم في الحالة (المصرية)، وبرأيي هذا تجنٍّ علينا، وقصور في فهم طبيعة المجتمع السعودي، بدءًا من العيَّارة وصاحبها (عيّار) وهي (التعليقات الساخرة من الوهلة الأولى) بإلصاق بعض الصفات أو التندر في الحديث بهدف الإضحاك البريء والتسلية، وقد اشتهر بها الأجداد فيما بينهم مُنذ عقود طويلة، حتى أن بعض المناطق لدينا اشتهرت بخفة الظل، رغم انشغالهم بالبحث عن لقمة العيش، وصعوبة الحياة، فمثل هذه الإفيهات تخرج على (السَليقَة) دون ترتيب مُسبق، وما زال كثيرون يحتفظون بهذه الصفة حتى يومنا هذا، وصولاً إلى توافر وسائل التعبير والتواصل عبر الشبكات الاجتماعية التي تعد محضناً للنكتة السعودية الحديثة..!
لو أردنا أن نؤلف كتاباً نجمع فيه (نُكت وعيَّارة) السعوديين القدماء، وقصصهم الساخرة المحفوظة (بالسمَاع)، لاحتجنا لذلك أجزاءً مُتعددة، وفي هذا دلالة على قدم (النكتة السعودية)، وبراعة ابن البيئة في صنع الابتسامة للترويح عن النفس، رغم صعوبة وتعقيدات الحياة!
نُكمل الحديث غداً..
وعلى دروب الخير نلتقي.
* اعتذار: نُشرت الحلقة الثانية قبل الحلقة الأولى (بالخطأ) في عدد أمس الاثنين، لهذا ننشر اليوم الحلقة الأولى، مع الاعتذار.