د. خيرية السقاف
تكاد أجواء الرياض تقول للمسرعين تمهّلوا, وللصاخبين اهدأوا, وللمتخاذلين انشطوا..!
توقظ النائم بلفحة باردة تشبه كفّ الأُم بعد أن تنفض كفيها من ماء الوضوء..!
تذر فرط الخزامى, والياسمين, وورق الشجر بين عيون المشوقين للبراري الندية,
والبراحات الفضية..!
تمسح رؤوس الصغار من بلل مطر غيماتها..!
تدفئهم بحطب مجامرها, ووقود جمالها..!
تفتح مدى ما بين جهاتها الأربع، وما بينها, وعلى امتدادها
تحتضن انتباه من يدب على أرضها, وينام تحت سقفها,
من يمشي في شوارعها, ويستقل مركباتها,
من يختبئ في خيامها, ويندس تحت أي ظل فيها,
من يتوارى عن برقها, وريحها, ورعودها, ومطرها..!
الرياض الآن تعِدُ بالغيث فتطرب التربة, وتشنف من الأرض أعماقها..!!
حتى الموتى في القبور ثراهم في انتظار سقياها...!
الرياض الآن تكاد أن تدعو سكانها لبَرِّها الحميم، الزاهي, النابت, الشذي, الفاتن..!
كأنني أسمعها تنادي: اخرجوا من البيوت, دعوا كل ما بين أيديكم, وهلموا إليَّ..!
تعالوا تطهروا من صمتكم، من انشغالاتكم، من همومكم, من شقوتكم, من تناقضكم, من اختلافكم, من غضبكم, من أحزانكم, من أفكاركم!!..
حتى أوراقكم جنِّبوها, وأقلامكم استميحوها عذراً, وتعالوا..
تعالوا لفسحة براريَّ, لبسطة سمائي, لنقاء فضائي, لرحابة جهاتي,
لعليل هوائي, لدفء خيامي, لنور ناري,
تعالوا لرائحة هالي, ولطعم قهوتي..!
تعالوا لدفء تمري, ولذة ألباني..!
هي الرياض الآن كفاً رحيمة بالنفوس, ومكنوناً عامراً بالأفكار,
قائدة لأسراب أجنحة المخيلات..,
والقلوب المثقلة..!
وحدها الآن بأجوائها الغامرة, لمن شحّ زاده من الجمال رافداً,
ولمن ضاق صدره بأعبائه محضناً,
ليتحلل في حضرة غيثها..!
ويسعد بهبات جمالها..!!