فضل بن سعد البوعينين
أسبوع حافل دشن فيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مشروعات تنموية واقتصادية في المنطقة الشرقية؛ والتقى بإخوانه وأبنائه المواطنين؛ وتحدث لهم حديث الوالد القائد المحب المشفق الناصح.
كلمات تضمنت من المعاني الكثير؛ في جوانبها المجتمعية، الاقتصادية، التنموية، والأمنية التي شدد عليها كأساس للتنمية وبناء الاقتصاد؛ حين قال: إن «الأمن في الأوطان من أجل النعم، فلا تنمية ولا علم ولا حضارة بلا أمن».
نعمتا الأمن والرزق من أهم نعم الله على خلقه، ولعظمهما جعل، سبحانه وتعالى، في نزعهما العقاب الشديد؛ قال تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مثلاً قَرْيَة كَانَتْ آمِنَة مُطْمَئِنَّة يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ».
الأمن أحد الدعائم الرئيسة للاقتصاد، بل أهمها على الإطلاق؛ فهو من متطلبات الحياة، ومن مقومات التطور، والبناء. تحفظ من خلاله المكتسبات التنموية، وتجذب الاستثمارات الأجنبية، ويتحقق النمو الاقتصادي، والاجتماعي، وبناء الإنسان وعمارة المكان.
يرتبط النمو الاقتصادي والتطور التنموي بالأمن، فكم من دول فقيرة نجحت في تنمية مواردها الطبيعية لأسباب أمنية صرفة، وكم من دول غنية فقدت مكتسباتها الاقتصادية لانفلات الأمن فيها. روي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أصبح منكم معافى في جسده أمنًا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»، جمع الرسول الكريم بين معافاة الجسد، والقوت، والأمن في دلالة واضحة على الترابط الوثيق بينهم.
وقد ذَكَّرَ الله سبحانه وتعالى قريش بنعمه وفضائله عليهم، فقال في محكم كتابه العظيم: (لِإِيلَافِ قُرَيْش إِيلَافهمْ. رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف. فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْت. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف)، وقد جمع سبحانه وتعالى بين نعمتي الرزق والأمن وهما صنوان لا يفترقان أبدًا، فلا بناء، أو نماء دون أمن. وفي موضع آخر، جاء الأمن مستقلاً، في قوله تعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا أنا جَعَلْنَا حَرَمًا أمنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ».
والأمن مسؤولية مشتركة تتحملها الأجهزة الأمنية وكل فرد من أفراد المجتمع ومؤسساته المدنية؛ وقد شدد خادم الحرمين الشريفين على أهمية الاستمرار في تكاتف الجهود للمحافظة على نعمة الأمن والتوعية بأهميتها وهو أمر غاية في الأهمية. الأمن المجتمعي أحد أهم مكونات الأمن الشامل؛ ونعني به الجهود التي يقدمها أفراد المجتمع ومؤسساته لمواجهة كل ما قد ينال من أمن الوطن وأفراده ومؤسساته؛ إضافة إلى الأمن الفكري الذي يمكن من خلاله وأد جميع الفتن؛ وحماية الوطن؛ وصيانة الإسلام من الأفكار الضالة.
ومثلما كان الأمن قاعدة للاقتصاد؛ فمن المهم التذكير بانعكاسات الازدهار الاقتصادي على الأمن. فمتى زادت مكتسبات الفرد التنموية؛ وتقلصت المشكلات الاقتصادية؛ وارتفع الدخل وعمت الرفاهية كان ذلك مدعاة لتعزيز الأمن؛ وحماية المكتسبات. لذا أصبحت معالجة المشكلات الاقتصادية من أولويات الحكومة؛ وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الذي ركز؛ ومنذ توليه مقاليد الحكم؛ على إعادة هيكلة الاقتصاد لضمان تحقيق الأهداف التنموية والتنوع والعيش الكريم لعموم المواطنين.
وفي خطابه الأخير؛ شدد - حفظه الله-؛ على أهمية «رؤية المملكة 2030» التي تستهدف إعادة هيكلة اقتصاد الدولة، ورفع أداء مؤسساتها، وتنويع مصادر الدخل، ورفع إنتاجية المجتمع؛ وطالب الجميع «بالسعي لإنجاحها».
وبالعودة إلى المشروعات التنموية والاقتصادية التي تم تدشينها نجد أنها جاءت متناغمة مع أهداف رؤية المملكة؛ وبخاصة تنويع مصادر الاقتصاد؛ توفير الفرص الوظيفية والاستثمارية؛ ورفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج الإجمالي المحلي؛ ومعالجة ملف الإسكان. ففي الظهران تم تدشين مشروعات «أرامكو» النوعية في النفط والغاز التي أسهمت في رفع الطاقة الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل يوميًا؛ وزيادة حجم الغاز المنتج. معمل «واسط» للغاز من أهم المشروعات الداعمة للقطاع الصناعي؛ وقطاعي الطاقة وتحلية المياه.
وفي الأحساء تم تدشين مشروعات الإسكان؛ وأهمها إطلاق مشروع بناء 100 ألف وحدة سكنية، وإنجاز ما يقرب من 4 آلاف منتج سكني؛ وفي مدينة الجبيل الصناعية تم تدشين مشروعات تنموية تابعة للهيئة الملكية للجبيل وينبع بما فيها الجبيل 2 إضافة إلى مشروعات بتروكيماوية وتكريرية ضخمة في ومقدمها شركتا «صدارة» و»ساتورب».
أما مدينة رأس الخير؛ فهي المدينة الموازية للجبيل الصناعية؛ والمتخصصة في الصناعات التعدينية. منطقة صناعية متكاملة تقوم الهيئة الملكية على تجهيزها لاحتضان أكبر الاستثمارات العالمية. باتت معادن محور التنمية الصناعية في رأس الخير؛ وتجربتها الفريدة في استكمال سلسلة الإنتاج من المنجم وحتى المنتج النهائي.
من اللافت أن الاستثمار البشري في معادن هو الطاغي؛ حيث تبلغ نسبة السعودة فيها ما يقرب من 70 في المائة. مصانع مختلفة يقوم على تشغيلها سعوديون في ريعان الشباب؛ وأحسب أنهم الاستثمار الأهم والأبقى للوطن. حجم الاستثمارات التعدينية التي سيتم تدشينها في رأس الخير والبالغة 133 مليار ريال؛ إضافة إلى ما يقرب من 37 مليارًا في وعد الشمال؛ و25 مليارًا لمشروع نقل المعادن «سار» يؤكد إصرار المملكة على المضي قدمًا نحو تنويع مصادر الاقتصاد وبناء قطاعات صناعية جديدة تسهم في تحقيق الأهداف الطموحة؛ وقدرتها على التعامل بكفاءة مع متغيرات الظروف الاقتصادية.
من المتوقع أن تكون «رأس الخير» منطلقًا للصناعات التحويلية النوعية؛ إضافة إلى مدينة الجبيل الصناعية ما يسهم بشكل أكبر في تحقيق هدف التنوع واستثمار المنتجات الأساسية كلقيم لصناعات تحويلية تحقق القيمة المضافة للاقتصاد؛ وتسهم في خلق فرص استثمارية صغيرة ومتوسطة؛ ووظائف نوعية للسعوديين.
عودًا على بدء؛ فالأمن قاعدة التنمية الاقتصادية؛ ولولا الله ثم الأمن والاستقرار السياسي لما نجحت المملكة في جذب استثمارات أجنبية أسهمت بشكل مباشر في نقل التقنية وتوطين الصناعة وتفعيل دور القطاع الخاص من خلال الشراكات العالمية النوعية